الخميس، 1 أكتوبر 2015

العقوبة ...هي ذاتها العروبة

 
العقوبة ...هي ذاتها العروبة لم تتغير ولم تتبدل.
ما زالت هوية غارقة في بحر متلاطم من الفتن.
لكنها الأكثر صموداً في مقاومة أصناف العذاب.. 
تبكينا في ضعفها وسط الأقوياء ونبكيها كلما توغلت في ملامحنا دهاليز الغرباء.
العروبة.
هي العقوبة التي جعلتنا سواسية أمام الجلاد.
ذاك الذي يفترس جغرافيا العرب كيفما يشاء.
ثم يدعو إليها رفاقه الاوفياء. 
كالوسواس هو لا ينفكّ عن محاولة اقناعنا بأنّا كنا دائما في مضارب عروبتنا ضيوفا أشقياء. 
ينقصنا الهدوء والتهذيب والكثير من مظاهر الحضارة ..  
وبأننا متساوون في نظر مُشرِّع الغاب، فقد حفظ لكل روح عربية حصتها من تجلياته النرجسية الإجرامية، ونصيبها من الصبر والصمت، وضبط النفس، وحبس الأنفاس، وقدرة فائقة على التصديق والالتزام.  والحقيقة أننا في كل مواجهة معه كنا نصدق ضعفنا وخوفنا لا كلامه وأحكامه ...
نصدق أن عروبتنا هي من أوجدتنا في المكان والزمان الخطأ. 
وأن عقارب ساعة الزمن العربي يجب أن لا تعرف أكثر من قياس دقائق الصمت وحساب أيام الحداد. 
وأن علينا أن نكون أكثر لطفا؛ كي تنطبق علينا شروط اللجوء هربا من العروبة أو العقوبة ...

خارج حدود العدل ..


لم ينتظر أفلاطون طويلاً ليثبت أن التصور الذي قامت عليه العدالة في أثينا ليس سوى أن العدل هو منفعة الأقوى...
تحديدا في تلك اللحظة التي صدر فيها الحكمُ على سقراط بالإعدام ...
بالنسبه له كان هذا دافعا للبحث عن مفهوم جديد للعدالة  لا يظلم فيه أحد فكانت ولادة الجمهورية الفاضلة، أول كتاب أُلِّفَ في الفلسفة السياسية..
 نعم إنها فلسفة أفلاطون السياسية تُناقش على لسان أستاذه سقراط في حوارات شيقة مع أتباعة، تحت عنوان كبير "العدالــة".. وفكرة ثابتة لا تتغير تنادي بالحاكم الفيلسوف وأن المصائب لن تنتهي من حياة البشر ما لم يتول الفلاسفة الحقيقيون الحكم أو يتحول الحكام إلى فلاسفة والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن ... 
هل هذا ممكن؟؟؟ كيف نبني دولة عادلة أو أفراد يحبون العدالة ؟
 إن التاريخ الإنساني يروي لنا الكثير عن قيام امبراطوريات ودول وسقوطها على يد امبراطوريات وقوى جديدة. في نظر أفلاطون كل دولة قامت على الحق باقية بقوة العدالة. 
أما دولة القوة فمصيرها سيكون الزوال لا محالة.. 
يعتقد أفلاطون أن محبة العدالة موجودة في الفرد لكنها لا تتحقق إلا بفرض سيادة العقل وكبح الشهوات والأهواء.. 
وبما أن هدف الدولة هو تحقيق الفضيلة يجب أن تخضع للعدالة وهي دستور الدولة طبقات المجتمع الثلاث والتي يقابلها في النفس الإنسانية بالترتيب قواها الثلاث العقلية،الروحية،الشهوانية...
 أما طبقات المجتمع كما رآها أفلاطون فهي كالتالي : طبقة الحكام الفلاسفة الحكماء: وهم القوة العاقلة التي توجه الجميع إلى عمل الخير.. طبقة الحراس الأوفياء او الجنود الشجعان. 
طبقة الفلاحين والصناع بما يتحلون به من فضائل العفة والصدق والنزاهة. 
يرى أفلاطون أن فضيلة العدالة ستبقى مرتبطة بكافة فئات المجتمع ما لم تتدخل أي طبقة منها في شؤون الطبقات الأخرى، مثلا لا يحق للإسكافي مشاركة الفيلسوف الحاكم في عمله فهو بحكم تصنيفه لم يحصل على التعليم الكافي وتنقصه الخبرة ولو تهيأت الفرصة لفرد من طبقة الحراس والجنود والصناع واكتسب المال والعلم وتمكن من الانضمام للطبقة الحاكمة فإن هذا الحال من وجهة نظر أفلاطون سيكون أول خطوة على طريق الفساد وسيؤدي بالدولة إلى خسارة دستورها الارستقراطي المثالي لتحل محله دساتير أوليجاريشية وتيموقراطية حيث يتولى الحكم طبقة الأغنياء أو الجيش.. 
بعد هذا التصنيف لمجتمع الجمهورية الفاضلة يتضح جلياً مفهوم العدالة أو ماهية العدالة فهي في النفس الانسانية العقل الذي يضبط الشهوات ويقتصر دور العاطفة على مساعدة العقل في عمله ... 
أما الدولة العادلة فهي الدولة التي يقوم فيها كل فرد بعمله الخاص .. تناول أفلاطون في كتابه المفاهيم التي تتعلق بالحكم والمجتمع وأخضعها للجدال والنقاش في محاولة لمعرفة ما يصلح وما لا يصلح لدولته المثالية .
 بالنسبة لي كانت أراؤه الإجتماعية صادمة وظالمة إلا اذا تحول البشر في جمهوريته إلى آلات ...
 فقد ألغى أفلاطون مفهوم العائلة وحرم الملكية الخاصة بالنسبة لطبقة الحكام والجنود، وهو مؤمن بأن ذلك سيخدم المصلحة العامة حيث لن تشغلهم عائلاتهم وممتلكاتهم عن التفاني في تنفيذ ما يوكل إليهم من مهام وواجبات، كما أن هذا يعني حرمان المرأة من الأمومة وجعل وظيفتها مقتصرة على إنجاب الأطفال دون السماح لها برعايتهم حيث تقوم الدولة بذلك وفق رؤيتها الخاصة. إن نظرة أفلاطون لدور المرأة أصابتني بالحيرة فهي شريكة الرجل في الواجبات والحقوق ويجب أن تأخد نصيبها من التعليم في جميع المجالات وأن تقوم الدولة بدعم موهبتها حتى تبدع في مجالها الخاص كالرجل تماما إلا أنها دائما الطرف الأضعف.  أما بالنسبة لطبقة العبيد فهم خارج تصنيفات أفلاطون تماما!! 
حقا لا أعلم لماذا عند الحديث عن المساواة بشكل عام لم يكن رأي أفلاطون نقيا خالصا بل جاء محمّلا بتأثيرات تعكس وجهة النظر السائدة التي كان يعتنقها المجتمع في ذلك الوقت...
 سياسيا، لا مكان للديمقراطية في دولة الفضيلة حيث أنها شكل من أشكال الطغيان سيظهر في طغيان الأغلبية على حقوق الإقلية لاستحالة وجود نظام قانوني يحمي حقوق الأقليات ثم يصفها أفلاطون بأنها حكم الفوضى لأنها تفتح المجال أمام العامة للمشاركة في الحكم وإدارة البلاد وهذا يعني ضياع العدالة ودمار الدولة برأيي أن أفلاطون هذا الرجل الذي تجسدت فيه العبقرية والرقي الروحي والأخلاقي تمكن نظريا من رسم ملامح جنة اليونان لسنة 400 ق.م لكنه لم يأت بتلك الدولة المثالية التي ننشدها في أحلامنا ربما للفرق الشاسع بين زمن النظرية والتطبيق أو صعوبة الملائمة بين أفكار أفلاطون المثالية وواقعنا بكل ما فيه من خير وشر. 
مع أننا نتفق معه بأن العدالة لن تتحقق بالكامل إلا بعد الموت وفي يوم الحساب حين يذهب الطغاة الاشرار إلى عذاب الجحيم و الأخيار إلى جنة النعيم .. 
ما موقع عالمنا على خارطة العدل ؟؟ هذا هو السؤال الذي كان يعصف بفكري بعد كل قراءة لكتاب الجمهورية يقابلها تأمل عميق لحالنا المعاصر ...
سؤال كبير تختبئ وراء اجابته أسئلة أخرى. ما هو المعيار الذي نستطيع به أن نعرف العدل ونحكم على هذا الأمر أو ذاك بأنه عادل أو ظالم ؟؟ 
أرى أن العدالة هي حكم العقل والأخلاق الذي يهدف إلى تحقيق المساواة بين البشر وحفظ حقوقهم ومصالحهم الفردية والجماعية ولأنها أسمى قيمة في الوجود. 
ثارت من أجلها شعوب الأرض وتغيرت معالم دول. 
فالشعوب في غيابها حين تدرك سوء حالها لن تطالب بغيرها ولن تهتف إلا بإسمها، هي أدنى وأقصى ما يحلمون به ، وهي أساس الملك وأساس النظام والسلام.
 لولا العدالة لما كانت الروح الإنسانية خالدة، تحاسب فتثاب أو تعاقب، بل إن وجودنا الإنساني كله كان سيصبح بلا معنى وبلا هدف لو لم يكن لهذه الأرض قبس من نور العدالة. 
وهنا سؤال يطرح نفسه هل حققت محاولات البشرية في فهم وتطبيق نظريات العدالة بجميع أشكالها وعلى رأسها العدالة السياسة والاجتماعية النتائج المرجوة منها وأصبحنا بمباركتها شعوبا راضية سعيدة هادئة ومستقرة؟
أعتقد أن اعتماد النتائج كمعيار للحكم على نجاح البشرية في ادراك مفهوم العدالة هو الأكثر منطقية. 
فإذا جاءت نتائج تطبيقنا لنظريات العدالة مرضية للجميع بحيث حفظت للفرد حقوقه وحاجاته، وضمنت المساواة بين جميع البشر بحيث لا يطغى القوي علي الضعيف. 
هنا نستطيع أن نقول أن عالمنا يحيا مستقراً داخل حدود العدل ... 
أما اذا جاءت النتائج كارثية بحيث عمّت الفوضى، واختل النظام، وتذمر الناس من نقص حاجاتهم واهدار حقوقهم فنحن هنا نكون قد وضعنا عالمنا بكل جدارة واستحقاق مع الإحتفاظ بشرف المحاولة خارج حدود العدل وسيبقى عالمنا في منفاه الإنساني طالما أن البشر يتمادون أكثر في سوء ادراكهم للنتائج المروعة التي وصلوا إليها بإصرارهم على تجزئة العدالة حتى تتوافق مع مصالح وأهواء البعض،
فنسمع في القرن الواحد والعشرين أن طفلا في مكان ما مات جوعًا وبردًا ،
ونرى بالصوت والصورة أرضاً تصادر بالقوة من أصحابها تحت حماية القانون وأن هناك دولة متحضرة ذات سيادة تعاني احتلالا أجنبيا، ثورات ضاعت في منتصف الطريق، شباب تلاشى في عتمة الاحباط ، 
وامرأة تمتهن إنسانيتها وتحرم من حقوقها لأنها إمرأة ... 
كل هذا القتل والاستهتار بالقيم الانسانية والأخلاقية لن تجده إلا في عالمنا.
 عالم يموت خارج حدود العدل....

عندما يكون الأمل ميلادًا

  أن يكون الإنسان قادرًا على التَّحكُّم بردود أفعاله، فيرسم مساره الخاص، مُتَّخِذًا منحى التّفكير الإيجابي، ومتجاوزًا كل ما يرهق النفس ولا ي...