السبت، 6 أغسطس 2022

فنّ الاشتياق إلى الذات (الكتابة)


منذ أول نقش لأقدم اللغات المكتوبة وحتى يومنا هذا...
ظَلَّت الكتابة بثوابتها ومتغيراتها حاضرة في أزمنة الفكر والشعور كالأعياد.
تمامًا كمفعولها القديم على ألواح الطّين والحجر، وبأناقة وترتيب خطٍ مسماريّ أصيل نَقَشَ في صمت المادة رسمًا ومعنى، يتشكل حضورها، ويرتسم أثرها في الأعماق.
فهي لا تنقطع عن محاصرة السّؤال حتى تظفر بالجواب.
ولا تتوقف عن تكثيف الصَّاعد من تيارات الفكر والعاطفة، وتحويله إلى ذاكرة نصّية.
فالكتابة لكلّ من خاض غمار الأبجدية بوجدانه، وترك بصمة روحه محفوظة فيها، هي الانسجام التام، وفنّ القدرة على معرفة مكامن الذات، وما يتجلى للنفس بوضوح في اندفاعها ببراءة الاشتياق..
لذا هي "فن الاشتياق الى الذات"، والوسيلة التي يتحقق بها التوازن بين عاطفةٍ جعلتها تشعبات الحياة وتعقيداتها أكثر قلقًا، وحركة، وتجوالًا في البال، وكلماتٍ تنشد الإستقرار والثبات في اصطفاف السطور، واصطفاء العقل للمعاني والدلالات.
لتكون مشاعر الإمتنان أخيرًا لكلّ خريطة روحية، جعلتنا ندرك واقعنا وحقائقنا على نحو أفضل..
أيّ لكلِّ نصٍّ اكتملت في أثنائه قوى الوعي، والمعرفة، والخيال، والحدس بفعلي الكتابة والقراءة.
إذ أنّ للكتابة التي امتزجت بمعالم الذات بصدق وتلقائية، امتداداتٌ استثنائية، وتوهجٌ يوقظ الذهن والحواس، وهو الذى يتجلى - أكثر ما يتجلى- في أناقة الأسلوب، وتفرده، وتحرره من رمادية الأبعاد..
هذا التَّفرّد الجاذب والفاعل الذي يجعلنا في حالة وجود مستمر؛ فلا يتلاشى الضّوء الناتج عن احتراق الأيام والسنوات بعيدًا في الغياب.
ذاك الضّوء الذي تضفي عليه الكتابة، حال القرب وصفة الثبات.
فإذا ما كتبت أو قرأت، مستجيبة لنداء الجمال الكامن في اللُّغَة، وفيض الشوق في وجداني...
كان الثَّابت "فكرة" ترتقي إلى مبناها الجديد؛ أيّنما عصفت رياح الرّتابة والإعتياد.
كان الثّابت "فرحًا غامرًا"، يستقر أثره في القلب، ويزداد رسوخًا كلَّما تعمقْتُ أكثر في الإدراك والمعرفة والفهم.
كان كإشراقة شمس "الوقت المناسب" وهي تؤنس القلب في وحشة المجهول، وتزيل عنه تعب الحيرة والتَّرَدُّد..
كان الثَّابت "فَنًّا": مزجٌ متناغم بين القيمة والإحساس، وغاية تتحقق في كلّ استجابة ناضجة، خالصة من سطوة ردّ الفعل، ونمط المتوقع.
كان الثابت "أفلاطونيا" : كمثلث معنى تنتظم وتنسجم في زواياه المتساوية: الأسماء، والأفكار، وجوهر المُسمَّيات.

كان الثَّابت "موسيقيًا": أبعادٌ شفافة يدركها كلُّ ذي إحساس لطيف..
وانبعاث متآلف للكلمات في ذروة النبض المجرَّد من كلّ فوضى أو انكسار..

كان الثَّابت عودة النتائج إلى مقدماتها، كلَّما أتقن الاستدلال فيها عمله وأحسن صنعته.
كان الثَّابت ذاكرة تجيد مهارة الانتقاء المثمر مِمّا كان، وإرادة تتقن التواصل الحرّ مع الزمن الآتي..
من أجل ذلك كله، لم تعد تخيفني فكرة مرور الزمان، وتقلب الأيام والأحوال، وجريان ذاك النّهر "الهيراقليطي" الذي يستحيل النزول إليه مرتين بين محطات حياتي المختلفة..
فإن كلَّ فكرة تَمَثَّلَت سطرًا أو هامشًا مكتوبًا، كانت بالنسبة لي جسرًا أتابع منه سير العمر والفكر بعيدًا عن كلّ ثقلٍ مادي يرهق انسانيتي، أو جرحٍ معنوي يسرق وجه المعنى من مخيلتي الملأى بنقاط الإرتكاز.!

عندما يكون الأمل ميلادًا

  أن يكون الإنسان قادرًا على التَّحكُّم بردود أفعاله، فيرسم مساره الخاص، مُتَّخِذًا منحى التّفكير الإيجابي، ومتجاوزًا كل ما يرهق النفس ولا ي...