الأحد، 18 أكتوبر 2015

قراءات في الذات الإنسانية "الإرادة"

الإرادة : قوة نفسية واعية تدفع الإنسان إلى تحقيق منجز ما يطمح بالوصول إليه، 
أي أنها الطاقة التي تُخْرِج الفعل من مجال الخيال والتمني إلى أرض الواقع ...
إن الإرادة التي في داخلنا هي مظهر من مظاهر إرادة الوجود واستمرار لها وهي الأداة التي أوجدها الله من أجل حفظ كينونة الكائن الحي و لتكون سلاح الإنسان في مسيرته لتحقيق ذاته واعمار هذه الأرض..
ولو بحثنا عن الإرادة في أجسامنا فسنجد أنها العلاقة التي تربط بين الأنسجة والأعصاب. 
حيث يقوم الدماغ وهو مركز الإرادة بإرسال الاشارات والتعليمات عبر الموصلات العصبية إلى العضلات لتقوم الأخيرة بالعمل المطلوب منها.
لكن ما الذي نحتاج أن نعرفه عن ارادتنا وصفاتها وتجلياتها ؟
ولماذا يجب علينا أن ندرب أنفسنا على فنون التحكم بها وتوجيهها حسب ما يوافق العقل؟
الانسان كائن مزود بمجموعة من الغرائز الشعورية كالحب، الكراهية، الخوف، والشجاعة ...
وحاجات لا يمكن أن تنفصل عنه كحاجته للطعام والشراب والنوم وغيرها... 
وهي حاجات أساسية لا بد له من اشباعها للمحافظة على حالة التوازن في الجسم. لكن ما علاقة الإرادة بكل هذا؟؟
صحيح أن الإرادة هي إحدى خصائص العقل لكنها قد تظهر مستقلة عنه حينما تسبق هذه الانفعالات والرغبات والشهوات والمشاعر قرار العقل.
فالإرادة هنا تقوم باستقبال الإحساس الذي تحمله الأعصاب إلى الدماغ، وهذا الإحساس بالرغبة أو بالألم هو عبارة عن وسيلة ضغط على الإرادة غايته دفعها إلى الاستجابة لنداء الرغبات والحاجات و ايجاد تصميم يعمل على التقليل من هذا الألم أو رفعه تماما...
لكن ليست كل الرغبات التي تطرق باب الإرادة تمضي بسلام هكذا فالخضوع المطلق لهذا النوع من الإرادة في غياب تام للعقل وسد الحاجات بوسائل غير مشروعة وتكرار هذا الفعل واستساغته سيؤدي بالإنسان في النهاية إلى الإنحرافات النفسية و إلى الجريمة التي ستصبح بالنسبة له عادة لا يستطيع الفكاك منها تأخذه دون أدنى مقاومة إلى الحضيض الغريزي "الحيواني" فالإنسان كائن مكرّم بالعقل وهذا يعني أنه يجب عليه أن يدرب ذاته على اخضاع ارادته لسلطة العقل كي يضمن تلبيه نداء الحاجات والغرائز بالطرق السليمة والمستقيمة.
نحن في الحقيقة نتيجة ما نعتقده في مخيلتنا من معالم وأفكار عن أنفسنا، وسواء كانت هذه الأفكار سلبية أم ايجابية لن نكون في الواقع إلا تجسيداً لها..
لكن الهدف الأسمى الذي يسعى الانسان إلي تحقيقه هو بناء ذاته وحفظها والإرادة الواعية العاقلة هي القوة التي تدفع صاحبها إلى تحقيق ذاته وطموحاته وتجعل منه شخصاً مبدعاً متميزاً مدركاً غاية وجوده على المستويين الفردي والجماعي...
أن نملك حرية الإرادة يعني أن نبقى في تحدٍ دائم ومستمر لإثبات ذواتنا لكن قوة ارادتنا وقدرتنا على التأثير تنبع من صدق أفكارنا ومدى ايماننا بها وادراكنا وثقتنا بما نحمله في دواخلنا من قدرات وطاقات وخبرات وامكانات حقيقية...
فلا نخشى التغيير ولا نرضخ لقوالب ذواتنا والأنماط السائدة بل نتمرد عليها من أجل وجود أفضل وأرقى وأكثر قرباً من مفهوم "الحق".
وهذا يتطلب منا أن لا نخفي أنفسنا خلف إرادة الحشود وأن نستقل عن الآخرين بإرادتنا الحرّة بعيداً عن الأفكار السلبية المضللة وما تحمله أحياناً سلطة إرادة المجتمع من تكرار في خياراتها وتصوراتها لأن الخضوع الأعمى لها سيؤدي إلى التقليل من أهمية إرادة الفرد المستقلة وتقديس العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية، والتي قد تكون عديمة الجدوى في بعض الأحيان .
في النهاية ووسط هذا الجدل الدائر حول إن كانت الإرادة الحرّة موجودة أم هي مجرد وهم أقول:
كلّ فرد منا مسؤول عن بناء ذاته التي تحدد دوره في بناء مجتمعه. 
هذا الإيمان بالدور النقدي للعقل وبالقوى الكامنة التي تملكها النفس الإنسانية كفيل بأن يوجد الفكر الحرّ الخلاق والمبدع، وأن يقدم مفهوماً أكثر توازناً للإرادة الحرّة الواعية.

عندما يكون الأمل ميلادًا

  أن يكون الإنسان قادرًا على التَّحكُّم بردود أفعاله، فيرسم مساره الخاص، مُتَّخِذًا منحى التّفكير الإيجابي، ومتجاوزًا كل ما يرهق النفس ولا ي...