الاثنين، 21 مايو 2018

مدن الحزن والحب


 مدن الحزن والحب



لا شيء أقسى على مدن الحزن من يأسها، من اختناقها بنحيب الصمت وضيق السواد! أن تصير كجثث محنطةٍ ينقصها تهذيب حزنٍ يمسك القلب كي لا يقع في براثن الجمود، ويعيد تشكيل الدروب بعيداً عن أفكار الموت واليأس والدمار.
فاليأس هو وحش المدن وسلاح الموت الفتاك ، شكل من أشكال الإنتظار القبيح للنهاية.
والأكثر قبحا على الإطلاق هو حين تتجسد المأساة على شكل انسان جعل منه اليأس آلة جبانة لا تملك جرأة الإعتراف بسرّ ذلك الحزن الذي يحمل بين رؤوس أصابعه صكّ انعتاقه من قيود عبودية صفر المستحيل.
مدن اليأس وهم حزن تلفحه رياح الإهمال من كل تجاه.
صورة واقع كان اليأس له سمة سائدة ومرجعاً حاكماً لكنه لم يحبنا كما أدمناه حتى إذا ما انتهينا إلى تلك الحقيقة ألقيناه في جحيم خلافاتنا معتقدين أننا بذلك على الطريق الأحق والأجدر بمحاسبته و استعجال نهايته!
أما حال مدن اليأس فهو كحال بذور على الصخر دون ارتقاء ... اقتتال وتخبط في غياب مرعب للتنظيم والاتساق!
فالإختلاف وقاحة تستوجب العقوبة والخلاف منبع المعايير!
بينما ينفرد بأدوار البطولة المطلقة جهل جاحد بنعمة التساؤل تقابله في الخانة السلبية غباء سخرية تفتقر إلى أدنى درجات الملاحظة والذكاء .
لكن حتى لو استقرت كلماتنا على دلالات الحزن فيها ،واستكان الفكر دون اقتناع لنتائجه اللامنطقيه، وتلاشت أغنيات العمر النازفة في شرايين النسيان.
فهناك في المساحة الفاصلة بين مدن الحزن والحب برزخ تتأرجح كفتاه بين غيمتين، الأولى اسمها "العقل" والثانية تدعى "الحب" وهما دائما ما تتبادلان تحية الفكر المقدسة دونما اكتراث بخرافاتنا وأزماتنا الحوارية وضعف إلهامنا ونوع شحناتنا العاطفية !
فهما ثابتتين على ولائهما لحقيقة أن للحب أوطانه ومدنه المتحدّية كأنفاس تشهق وتزفر في محيط من النبواءات كأنها تبتكر اسماً فريداً لخلودنا أو تنشئ طريقا استراتيجياً يصعد بنا إلى ذروة الوجود!
ففي مدن الحب ليس عليك سوى أن تصنع لقلبك مقداراً لطيفاً شفافاً تطفو عليه ريشة اسطورية...وكلما نجحت في ذلك تأكدت بأن لا أحد يمكنه أن يسلبك حقك بأن تتعرف بحدسك على أسلوب التعبير الخام الذي تفيض به روح الكون من حولك...عندئذ ستعرف كيف تستلّ من بين ركامات السنين قيمة أيامك تماماً كما يُميّز الجيولوجيون معادن الصخور وكما يدرك خبير الأثار حين يسير على خطى حضارة عظيمة إلى أين تقوده موسيقى الريح...
مدن الحب عملاقة في شموخها وكبريائها تعرف كيف تنتقي أبطالها لتتكامل وتتوازن، ومتى تمد جسور القبول والتلاقي فوق وديان الرفض والتحدي .. مدن تكتب انبعاثها بأعمدة الماضي فتستحيل ميناءَ فرحٍ مستقبلي كامن في أعماق عقل يتوهجُ وعياً وأملاً وحياة...
مدن الحب مجبولة بدماء شهدائها، بحضور الأشياء اليومية والتفاصيل المستعادة، بتنهدات نسائها الجميلات بعد اثبات جدارتهن في تحضير فطور ساخن لنهار مثقل بالهموم، وبالغفوة المسروقة على راحة يد متعبة،وبحماسة صيف يركض نحو خيالات خريفية،وشتاء يطوي رحيله في أعماق الأرض،وبألوان أمواج ربيعية تتراخى بجاذبية على الجراح المفتوحة ...
في مدن الحب يغدو الحب شفافاً منزوع الدوافع ...وكل شيء مبدعُ وخلاق
ويكون الإقتران بذات حقيقية غارقة في عزلتها فالحب لأجلها فقط وليس لأمر أو شيءٍ عارض عليها . بينما يظهر ابداع الحب بكونه الفنُ الوحيد الذي يتميز بالإستقلالية إذ أنه لا ينتظر إقرار أو موافقة أحد مما يجعله غير قابل للتبدل والتغير والمساومة ولن يعوزه شيء ليستمر سوى تلاحم قلبين وتمازج روحين في وجود واحد‍ !
فكيف لي إذاً أن لا أحيا بعاطفةٍ تشعُّ حباً بكل لغة وأن لا أكتب بمدادها مثلاً الى الأوطان الساكنه فينا، تلك التي لا تفنى ولا تستبدل، لأنها من خصائص الروح!
وأن لا أقوم بتَطْيِيبُ صفاتها بشذى من اكتشف بحدسه النسبة الذهبية بين عقله وقلبه قبل ان تومض له على صفحة البصر أثناء انعكاسها على محَيَّاه في المرآه تلك الموجة الأنيقة ذات الرسم الأسطوري الجميل .
أو أن تتوقف بوصلتي الكونية عن الإبحار في الكتاب الذي أصبح بجرة قلم صديق الفكر وأيقونة خالدة في الوجدان، ذلك الكتاب الذي كلما أمعنت في قراءته أكثر انفتحت أبواب الحقيقة على الخيال كلوحة ذات أبعاد تجريدية.
حقاً كيف يمكنني أن أتوقف عن الحياة، والكتابة، والسعي بنور البصر والبصيرة في سبيل تفسير أهمية ثبات "نقطة الإرتكاز" عندما تطول المسافات وتتشعب وتتعقد الطرق. وقد علمت أن للكلمات في صدقها إرادةٌ لا تنثني، وفي اتحادها قوة حكمة قادرة على تلوين فراغ هذا العالم المضجر بألوان شمسية نتقله من انعكاسات الحياد الرمادية إلى انبعاث شموخ أزرق ومن أنانية النار إلى تضحية الغار.
فليكن لك سلامك وطمأنينتك يا حب ...يا أيها الخالد في ذاكرة الروح كالمعجزة. يا من كان غيابه إِرتِحَال غربة وإِغتِراب وحضوره أعظم انتصار ... ولا تقلق من خريف مفاجئ أو نتيجة قد تعكر مزاج القلب.
حتى وإن حرمتنا من "ثابت النسبة" باعتبارها ترفاً فكرياً تلك الضحالة التي تعج بها ثرثرة المتفذلكين وفضول الطامعين والمتربصين وكل من ظنّ أن سلامنا تعثر سذاجة وعزلة استسلام
فأنا منذ أطلّ وجهك الدافئ كشمس آيار من نافذة حريتي وأعلنت إيماني بتلك العينين...ووصفت بجمر اللغة معالم مدن الربيع حيث يكون لأبجديتي النصيب الأعظم من احتضان اللون والضوء لا أرى في باطن القلب إلا جذورك تُورِق في مساحاته حدائق ثقة بينما تُزهِر درجات صوت الحبيب السبعة نغماتها البلورية في ذاتي..
وقد عرفتُ، ودون استحضار حيلتنا القديمة بتقسيم الأرض والسماء إلى مربعات أنه في بواطن خرائط مدن الحب وثنايا أزمنتها لا شأن للأيام والصدف باجتماع القلوب وتوافقها وإلا لكان اليأس ثالثنا... والضياع قدرنا المحتوم ...لكنه الوطن الذي أبدع ديمومة التجانس والتناغم بيننا في جاذبية انصهار تتدفق في الشعور لتفعيل تمام المعنى كي يواكب جمالية الصورة الكاملة للحب عندما تتجلى في أوطان الحب أجمل صفات المثل الأعلى كمرآة نسترد فيها وجه المحبوب ونلامس من خلالها الأصل النقي لملامح أمّنا وأبينا وهي تحتضن أسرارنا وأرواحنا...

وقد كان أن تستقر قلوب المحبين وأفكارهم على هيئة مدنٍ وأوطان وفراديس سماوية حتى يسمو كل شيء على طبيعته في فضاء قيمته المطلقة وليظل هذا التكوين الشفاف للوطن هو الرمز الأعلى والأجمل والأكمل للحب!

عندما يكون الأمل ميلادًا

  أن يكون الإنسان قادرًا على التَّحكُّم بردود أفعاله، فيرسم مساره الخاص، مُتَّخِذًا منحى التّفكير الإيجابي، ومتجاوزًا كل ما يرهق النفس ولا ي...