الثلاثاء، 18 فبراير 2020

في المعنى والجدوى 2

  الفلسفة

أحب تسمية الفلسفة بأم العلوم، وهي كذلك فعلاً؛ فالفلسفة "حب الحكمة" لا ترسم مسارات التفكير من خلال صياغة أسئلة متعالية، ولا بخلق الإشكاليات التي تهدف كما يدعي البعض عن سوء فهم إلى تقويض وزعزعة معتقدات وقناعات الناس  

فالفلسفة بفروعها المختلفة تهتم بالبحث عن إجابات على ما تطرحه الذات من تساؤلات. وتقديم تصوّرات وحلول للقضايا والتحديات التي يفرضها الواقع. بحيث يصير لازماً على الإنسان السعي لإيجاد تفسير يبدّد ضبابية كل مُعْضلة بالتداخل الواعي.. وبعيداً عن التأثير السلبي للنظرة المادية على الفلسفة.

وفي حال أردنا مقارنتها بالجانب العملي من العلوم المنشئة للفرضيات، فإننا  سنكتشف مدى أهمية الفلسفة في جعل مجالات المعرفة بموضوعاتها وتفصيلاتها وغاياتها منسجمة ومتماسكة.

مع وجود فارق مهم يصبّ في مصلحة الفلسفة ألا وهو طول الفترة الزمنية التي يتطلبها المنهج الواقعي أو التجريبي لإثبات صحة فرضية في حين يمكن للفلسفة متجاوزة عامل الزمن النفاذ إلى وصف المعالم الخفية للنتائج باستخدام مهارات التفكير التأملي والمنطقي

هي أم العلوم واثباتها: تلك النظرة الواعية المدركة لأبعاد السؤال، المتسلّحة بقوة القيمة الراسخة في الوجدان،وشغف المعرفة المتغلغلة في أعماق الكون والإنسان..




أخطاء البدايات 
تلك التي تجعل الوصول إلى النتائج المرجوّة والمتوقعة أمراً أقرب إلى المستحيل ..
إذ أننا مهما حاولنا فلن نتمكّن من التغلب عليها بتجاهل أثرها الذي يبقى مستمراً حتى النهاية.
النهاية التي يتطلب إصلاحها بداية جديدة، بوعي أكبر، واختيارات أكثر دقة، وإرادة لا تخشى هواجس الخيبة والفشل ..

 العجز
إن العجز الحقيقي ليس عدم القدرة على رؤية التفاصيل الدقيقة لمضامين الأشياء، بل هو محاولة إيهام النفس وإقناعها بأن ما تراه هو المضمون بينما هي في الحقيقة لم تبرح ضحالة العناوين..

الحوار
نحن بحاجة دائمة إلى الحوار، والتمسك بتلك الساحات المحايدة لكي نتمكن من إيصال ما نريد قوله، أو عندما نكون بصدد توضيح موقف من خلال حديثٍ مُدَعَم بالحجج والبراهين وقادر على المساهمة في تشكيل الوعي العام . 
وهذا يعني أنه ليس كل حديث منطوق أو مكتوب يدور بين شخصين أو أكثر يمكن اعتباره حواراً حقيقياً. 
فالحوار حتى يكون هادفاً وايجابياً وفعالاً لا بدّ له من توفر شرطين أساسيين الأول: ثقة كل طرف من أطراف الحوار بمعتقداته وآرائه بنسبة معقولة تتضمن استعداده للتراجع عنها إذا ما ثبت له أثناء النقاش عدم صحتها ومناسبتها.
أما الثاني فهو حسن تجاوب المحاورين وإهتمامهم وقدرتهم على الإستماع والإنصات بصبر ودون شخصنة، أو قوالب تمثيلية ،وأحكام مسبقة.
الحوار وسيلة تواصل تهدف إلى إيجاد نقاط مشتركة بين المتحاورين تجعلهم فكرياً أكثر مرونة واتزاناً وقرباً من الحقيقة، وتبعاً لذلك فإنه عندما يتم توظيف ثنائية "المع والضد" كأداة تعريف وتقييم وتخاطب ، بحيث تتحدد عبارات المحبين والكارهين على أنها براهين عقلية دامغة ، يفقد الحوار قوة جاذبيته متحولاً إلى سلوك عشوائي تتشظى فيه الحقوق والأفكار والمعارف.


الكراهية
عندما تراها بعين عقلك ستدرك أنه لا يمكن للكراهية أن تكون سوى نغمة ناشزة مشبعة بشوائب غضب عبثي.
راقب جيداً مركز أفعالها، حركاتها التائهة بين مبررات هشة وإحساس منغلق على ذاته وغير مؤهل لمهارات الإقناع.
ولاحظ كيف تضيع أبعاد الخطوط المتوازية في طبيعة غير قابلة للضبط، ومتنافرة مع دَوْزَنَات الروح.
حتى الذين يستمعون إليها ثق تماماً بأنهم يفعلون ذلك من باب الإعتياد على ضجيجها وصخبها ولا بدَّ أنهم سيشعرون بالهدوء والراحة لو بادر أحدهم بإسكاتها ليبدأ صوت الحب غناءه الموزون.

الحــب
إن أجمل ما في الحب هو اصراره على أن لا يحده واقع أو منطق ...
فهو التسليم الكامل لفنون القلب وموسيقاه..
هو تلاقي الأضداد..
تلاقي الشرق والغرب .. تلاقي الأبعاد..
ليس في الحب بداية أو نهاية ... وقت أو زمان ... 
سوى أن تتخذنا وداعة غيمة في السماء رفقاء أبديين لها 
الحب: هو تمازج الأرواح وتلاحم القلوب رغم المسافات...
هو فرحنا العفوي بتلك العيون القادمة إلى ميناء الجرح..
شوقنا الدائم لهمسات الصوت الهاربة من قيود الصمت ..
هو أن ننسى أنفسنا لنعود ونتذكر أننا هنا لأجل الآخر …
لأجل من نحب ومن نعشق ...
لأجل تلك العيون وموهبة الحياة التي تسكن أعماقها الحريرية … تلك الموهبة التي علمتنا أن نرفض الموت والاستسلام حتى نحظى بلقائه ووداع أنفسنا ..

الأحد، 16 فبراير 2020

بين النقد والإنتقاد



يقول الكاتب الأمريكي ألبرت هوبارد :
إن أفضل طريقة لتجنب اللوم والإنتقاد
هي ألا تقول شيئا، وألا تفعل شيئا، وألا تكون أي شيء" أي أن تكون نكرة.. 
بلا شك أن القدرة على تقبل النقد والتعامل معه ثقافة لا يمتلكها أي شخص .. 
كذلك معرفة الكيفية التي يكون عليها النقد الإيجابي والإنتقاد السلبي ..
 الجميل أننا نستطيع بقليل من الملاحظة، والمقارنة، وفهم طبيعة العمل النقدي تبين الفرق بينهما .
فالنقد باختصار: هو عملية فحص وتقييم للعمل،الرأي،القول، تكشف نقاط الضعف والقوة فيه مع تقديم اقتراحات وأفكار بديلة تكون من وجهة نظر الناقد مناسبة ومتسقة أكثر مع العمل
إن النقد المطلوب إذاً هو الذي يشعرنا بأهمية ما نقوم به ..
نقد موضوعي، يذكر السلبيات والإيجابيات ، ولا يقف من العمل موقف الضد ..
كما أن النقد الإيجابي لا يزيد الضغوط على النفس، ولا يجرحها أو يؤلمها ..فالناقد العارف والخبير يعطي رأيه ويقيم بعقلانية وبمعزل عن الذات أوالشخصية وذائقتها الخاصة..
لكن الحقيقة المرة تخبرنا أنه مهما حاولنا أن نبحر بأفكارنا بعيدًا عن العواصف والتيارات المعاكسة، فإن هناك أشخاصاً مهووسون فعلا بالإنتقاد، تعرفهم من نمطية تفكيرهم التي تُخضِع كل شيء لمبدأ الإنتقائية، ومن عيونهم التي لا ترى إلا النقص والسلبيات.
كما أنهم بارعون جدا في اصدار الأحكام دون بذل أدنى مجهود وأقصد بالمجهود هنا ما يتطلبه الحكم من المعرفة والتفكير والخبرة حتى يكون صحيحاً ومقبول منطقياً وانسانياً..
والُمنتِقدون رغم كثرتهم وتنوّع أساليبهم إلا أن أكثر ما يثير العجب، ويبعث على الإستغراب منهم، هم أولئك الذين مهما كان النقد لطيفاً وموضوعياً تجدهم يستشيطون غضباً إذا ما تم توجيهه لهم، رغم كونهم أكثر الأشخاص انتقاداً لغيرهم !.إذ أنهم لا يتوانون لحظة عن الإنتقاص والتقليل من شأن أفكار وأعمال الآخرين معتقدين أن الإستعلاء والإستعراض والإحتكام للظن من أسس النقد والتقييم..
ضف إليهم من يسارع إلى تقديم النقد لغاية اثبات وجوده رغم جهله بمعايبر النقد وضوابطه.
الطريف أنّه لا يكتفي بتحطيم قواعد اللباقة واللياقة بتدخله فيما لا يعنيه، بل تجده على استعداد لأن يلغي العمل بأكمله مقابل أن تصبح آراؤه النقدية الفذة مؤثرة ومسموعة ..
نعم النقد البَناء بأنواعه وتعدد أدواته مهم، ولا غنى عنه لتحسين وتطوير الأفكار والأعمال. لكن يبقى أهمها وأعظمها هو النقد الذاتي.
وفي جميع الأحوال علينا ان نكون أكثر وعيا وحكمة لنتمكن من تحديد ما يستحق الاستماع إليه أو تجاهله؛ عسى أن تتسع العقول والقلوب لكل ذلك..

عندما يكون الأمل ميلادًا

  أن يكون الإنسان قادرًا على التَّحكُّم بردود أفعاله، فيرسم مساره الخاص، مُتَّخِذًا منحى التّفكير الإيجابي، ومتجاوزًا كل ما يرهق النفس ولا ي...