الأحد، 24 أبريل 2016

نهارك المنتظر..

أن تحب يعني أن ترى في فضاءات حضوره كوناً متجدداً لا تمل حواسك من التحليق بين شموسه وأقماره التي لا تعد ولا تحصى!!
أن تخبره كيف أصبحت ساعات النهار على قلتها تغطي فيك مساحات الأمل...
وكيف أمسى الليل حارساً على طقوس اكتمال القمر، وشاهداً على أحاديث حنين تتوهج بالتزامن مع إيقاع كل تفاعل نجميّ يكسر بمجاز الضوء صمت الظلام.
فالحنين في الحب هو أن تحترق إنتظاراً وشوقاً لنبضٍ يضيء في دمك بينما تهمس له قائلا: ها أنا برغم واقعي المشحون بآلام الوعي أتصاعد فيك كطيف حلم.
الحب هو أن تسمح لفرح غامض بأن يسْتَلَّ من دروب يومك المتشعبة تفاصيلها الغريبة.
أن يكون هو نشيدك الكوني الذي يحفظك وتحفظه عن ظهر قلب وتدوّن بإسمه صفحات عمرك لكي تجد نفسك فيه ...
الحب هو أن يمتلئ عالمك بذلك الإختيار الإرادي رغم إيمانك بأن الحب لا يتشكل في القلوب إلا يقيناً يكتشفنا، ويختر عنا،ويعيد صياغة أيامنا، ويأخذنا دائماً إلى حيث لا ندري.
الحب هو أن تشتعل بسرّ جمال تزهو به مرآه القلب ...
جمال لم ولن يتكرر على وجه بشر ...
فلا أحد يراه كما تراه أنت، ولا أحد يدرك تسارع لهفتك لرؤيته كما تدركها أنت ..
أما اللهفة في الحب هي أن تقول للحلم الذي فاض من يديه : تعال أيها المضمّخ بأغنيات الفرح ونسائم السلام تعال إلى أيامي وانتشر ..
الحب هو التحرر التام من قيود اللغة لذا سمه ما شئت فمن العبث محاولة اخراجه من بؤرة الشعور.
ولماذا عليك أن تكون موضوعياً وحيادياً في مسألة داهمت كيانك كشلال هادر!
فأنت حين تحب تتحول إلى أبجدية من نار لا تخشى شيئاً ولا تحسب حساب أحد.
وتصير روحاً عاشقة هائمة أشبه بعصفور قدسته سماوات الحرية ...
فالحرية في الحب هي أن يتدفق كل منا في دم وفكر وروح الآخر
بلا قيد أو شرط...
بلا توقف أو نهاية ...
يولد الحب وينمو ويكبر في صدرك معززاً مكرماً، يحتلك هذا الطفل الذي يطوق عنقك حين ينظر إليك بعينين شفافتين تقرآن بصوتك حالة وجود مرهونة بحركة كوكب يعوم في السماء بحثاً عن طيف نهار.
نهار ينتشلك من لعنة اللاعودة وليلها الأبدي.
من موتك الرمادي.
من وديان ذاكرتك النازفة.
من ثقل هم يوقظ جراحك بظلم يعيد نفسه في دروبك.
هو الحب وحده نهارك المنتظر، يحملك إلى مجرات من نور وطمأنينة، لا يمسها ظلام خوف، ولا تطالها ثرثرة الرماد .

الجمعة، 1 أبريل 2016

قراءات في الذات الإنسانية.. الشخصية



كم نستهين بدوافع فعالياتنا الشعورية... بأسرار ادراكنا، ووجداننا، ونزعاتنا!!
بل كثيراً ما نفضل السير على خطى قوى عالمنا المضطرب حين نتجاهل أسباب صراعاتنا الداخلية ونختلق فلسفة مشوهة للقوة وكأننا في حربٍ دائمة لا نهاية لها وقودها عقل منغلق وقلب متبلد وكرامة انسانية غائبة ..
وكم نخطئ في حق أنفسنا وفي حق الآخرين حين نصدر أحكامنا مكْتَفِين ببعض المظاهر الجسدية والسلوكيات الظاهرة والصور النمطية التي تفتقر إلى الوضوح والمنطق دون أدنى فكرة عن طبيعة الشخصية الإنسانية ....
وكأننا في حديثنا عن أنفسنا وعن الآخر نخوض جدالاً عقيماً تناسينا أو نسينا فيه أننا مختلفون !! لكننا مجبرون رغم الإختلاف والخلاف على ايجاد نقاط مشتركة ومساحة للحوار والعيش المشترك تعطي لكلّ ذي حق حقه ولكل شخصية حرية التعبير عن هويتها المميزة التي جُبِلَتْ عليها ....
يقول الشاعر الألماني يوهان غوته:
"تنمو الموهبة مع الهدوء والسكون ، و تنمو الشخصية بخوض معترك الحياة"
فما هي الشخصية ؟؟ ما هي مكوناتها؟؟ وما علاقتها بالطباع والمظاهر الجسدية والمادية و البيئة المحيطة بها ؟؟
رغم كثرة التعريفات حول الشخصية يمكن القول بأن الشخصية هي : 
مجموع الاستعدادات والميول والسلوكيات والإهتمامات والقدرات والمواهب والصفات الثابتة التي يتصف بها الفرد والمستمدة من موروثه الجيني ومحيطه التربوي والإجتماعي واتحادها اتحاداً مميزاً بحيث تجعل الفرد مميزا عن الآخرين .
لكن ما هي العوامل التي تؤثر على الشخصية الإنسانية؟؟
مما لا شك فيه أننا من الناحية البيولوجية نخضع لنظام غددنا الصماء فالهرمونات تؤثر على بناء الشخصية وأنماطها وتنظيمها وأيّ خلل أو اضطراب يصيب هذه الغدد سينعكس على سلوك الفرد.
أما الجهاز العصبي فهو يساعدنا على التكيف والمواءمة والمرونة في التعامل مع الأوضاع والظروف الاجتماعية المختلفة..
ومن العوامل المهمة المؤثرة على الشخصية هي المظاهر الجسدية فإن الجسم المتمتع بالصحة والقوة يجعل الفرد واثقاً من نفسه ،مقبلاً على الحياة، لكن في حالة كان الجسم ضعيفاً ومعتلاً أو مريضاً سينعكس ذلك على الشخصية ويضعفها نتيجة الشعور بالنقص وقد تدفع تلك المشاعر السلبية بصاحبها إلى فقدان الطموح والانطواء والانسحاب من الحياة ما لم يتلقَّ الرعاية الصحية والنفسية اللازمة بحيث يصبح بإمكانة المشاركة والمساهمة والتفاعل مع مجتمعه دون حواجز أو قيود ...
هذا بالإضافة إلى أن صفاتنا الجسدية تترك آثارها على شخصياتنا من خلال نظرة الآخرين المحيطين بنا فنظرتنا لأنفسنا مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنظرة الناس إلينا وانطباعاتهم وتصوراتهم لكن حكم الناس في الغالب لن يكون منصفاً لنا لإعتماده فقط على المظاهر الجسدية والمادية واغفال المضمون والطباع المكونة للشخصية هذا غير أنهم يوظفون منطق العاطفة للخروج بتصور يرضي رغباتهم بغضّ النظر إن كانت هذه الصفات التي يطلقونها على الأشخاص موجودة فعلا أم هي مجرد اسقاطات أو تكهنات وخيالات...
ومن هذه النقطة تحديداً أذكر مقولة دارجة في ثقافتنا "كـلُّ يرى الناس بعين طبعه" يمكن اعتبارها تلخيصاً لما سبق...
ما دور العقل والعاطفة في تكوين الشخصية؟
إن النظرة المتزنة للأمور، الذكاء والقدرات ،الاهتمام بالتفاصيل التكيف مع البيئة والتفاعل معها ، قوة الذاكرة ، وحسن التصرف في الأوقات الصعبة كلها مقومات أساسية من مقومات الشخصية أما العاطفة فلولاها لما أخذت الشخصية هويتها المميزة وهي بالنسبة للآخرين تشكل دلالات يستطيع الناس من خلالها ادراك مواقفهم وتصوراتهم حول الشخصية..
والعاطفة هي مجموعة من الانفعالات تتركز حول موضوع معين تدفع الإنسان إلى القيام بسلوك يرتبط بهذا الموضوع.والعاطفة سواء كانت عاطفة حب أو بغض تتشكل نتيجة التجارب التي نخوضها والخبرات التي نكتسبها في هذه الحياة ..
والآن يجدر بنا التساؤل حول تأثير الطبع وأصالة الفطرة على الشخصية وهل يمكن توجيه الطباع وصقلها بحيث تتكامل الشخصية وتتناغم عناصرها بشكل يظهرها كوحدة متماسكة ؟؟
ترتبط الطباع ارتباطاً وثيقاً بالمظاهر الجسدية والظروف والبيئة والعاطفة ...
 والطبع : هو الصفة الفطرية التي ولدت مع الكائن الحي وما يقوله المفهوم الشائع الجامد عن الطباع هو استحالة تغيرها من حالة إلى حالة حيث تلعب الوراثة دورا رئيسياً فيها وقديماً آمن الناس بدور الوارثة من خلال ملاحظتهم للشبه الكبير بين الأباء والأبناء...
بقي هذا المفهوم سائداً حتى منتصف القرن التاسع عشر حيث بينت نتائج تجارب العالم النمساوي مندل (1822-1884) واضع أسس علم الوراثة آلية انتقال الصفات الوراثية من الآباء للأبناء وكيف أن هناك صفات سائدة وأخرى متنحية قد لا تظهر في الجيل الأول لكنها قد تظهر في أجيال لاحقة...
لكن في المقابل تم رفض الحرية المطلقة للصفات الوراثية وبدأ العلماء يركزون على أهمية التربية والترويض في صقل الطباع وتهذيبها ..
أما ما كان يسعى العلم إليه حقا في هذا الاتجاه هو اثبات أن المادة الوراثية غير منفصلة عن الظروف المحيطة بها فهي قابلة للتكيف والتطور بما يناسب البيئة والظروف المحيطة. لخصها "إيفان ميتشورين" (1855 - 1935) وهو عالم بيولوجي سوڤياتي انطلاقاً من فرضية أن "الصفات المكتسبة تتنقل بالوراثة" بقوله :
"إننا لا نستطيع انتظار احسان الطبيعة بل إن عملنا هو انتزاع هذا الأمر منها"
وبين ما هو فطري ومكتسب ولفهم كيف تتكامل الشخصية عند سيغموند فرويد ( 1856 - 1939) مؤسس علم التحليل النفسي فقد اعتبر أن الشخصية الإنسانية تتكون من ثلاثة أقسام :
-طبقة دنيا الهو Id : وهي مصدر الطاقة والدوافع البيولوجية الغرائز والرغبات المكبوتة لا تحكمها الضوابط غايتها الحصول على اللذة بأي طريقة ...
-الانا الأعلى الطبقة العليا Super Ego :هي السلطة الداخلية أو الضمير مستودع الأخلاقيات والآداب والمثل ..
-الانا الطبقة الوسطى Ego :وهي مركز الوعي والارادة والشعور مهمتها التوفيق بين مطالب الهو والمبادئ والقيم الأخلاقية والاجتماعية التي تفرضها الأنا العليا وهو ما يسمى بتكامل الشخصية وفي حال عجز الأنا عن التوفيق بين الهو والذات العليا اضطربت الشخصية ومالت إلى السلوك الغريزي العدواني ...
من المؤكد أن البيئة العائلية والتعليم والقيم الروحية والعادات الإجتماعية جميعها مؤثرات تترك بصماتها على الشخصية وتطورها ودورها يتمثل في تحويل الطاقة القوية للغريزة أو الدوافع الفطرية إلى نشاط هادف ومقبول مثل التركيز على رعاية وتنمية المواهب والهوايات المختلفة أو تشجيع الأفراد للتوجه نحو العمل الاجتماعي التطوعي ثم السمو بدافع الغريزة وإعلائه إلى مستوى عاطفة تعمل من أجل تعزيز عاطفة اعتبار الذات والخروج من الذات الفردية إلى ذوات الآخرين والتكامل معها ...
إن الحاجة النفسية الأكثر لزوماً لتسير الانسانية في طريقها نحو تحقيق أهدافها هي الإيمان بأهمية وقدرة التربية والمحيط الجيد والرعاية الواعية للوصول إلى محصول جيد.
إن التربية السليمة التي يتلقاها الفرد في المنزل والمدرسة والقوانين العادلة التي تراعي الأسس النفسية للفرد والرعاية الصحية والاجتماعية التي تقدمها الدولة لمواطنيها كفيلة بأن تجنب الأفراد ويلات الإنحرافات النفسية والعقلية ..
إن مجتمعاً يعاني أفراده من غياب العدالة وتفشي الجهل والفقر والبطالة والإهمال تبقى فيه الشخصية تحت ضغط نفسي كبير قد يتطور إلى صراع داخلي يبدد طاقتها الإيجابية ويغرقها في الاضطرابات والضعف والسلوكيات المتناقضة..
وقد يدفعها الإحباط وفقدان الهدف إلى توكيد ذاتها واثباتها من خلال اللجوء الى العدوان وايذاء الآخرين ...
فالإنسان حصاد الوراثة والتربية والظروف فلنحرص على أن نوفر لأبنائنا تربية صحيحة وظروفاً صانعة للشخصية القوية ..
وإني أرى أن الشخصية القوية هي الشخصية المتكاملة المتصالحة مع نفسها ومع محيطها... 
هي شخصية لم تقف الظروف والتجارب السيئة عائقاً أمام أصالة فطرتها وطباعها. لكنها تكاملت مع كل قيمةٍ انسانيةٍ راقية أظهرت فيها اتزان العقل وجمال العاطفة وصلابة الإرادة وسلامة الاستنتاج والمنطق ...

الجمعة، 19 فبراير 2016

في قاموس الحب



وتراني كلما نظرت في عينيك وهي تغمر بحنان نقش الشوق على كفّ الرؤيا أتساءل في سري 
عن أمنيةٍ مفتونة بأسماء الأيام التي صنعت من لقائنا احتفالاً ...
وعن رقة نبض يتمشّى في طرقات القلب باحثاً عنك...
 ثم عن أمرٍ خفيّ يجعل لغتي من يقيني بك تغار وتقول كل ما لم يقال في حضرة عاطفة تلمع في سمائي كالبرق..
 وفي قاموس الحب: الموت لا يسمى موتاً ولا الحياة حياة... فالحب اسم يختصر كل شيء وكأنه طريق سحري يصل بين مدينتين أو مسافة ثابتة بين نجمتين... 
 أما المعنى فلا يكتمل إلا بولادة ثانية نسافر فيها نحو أعماقنا المجهولة لنتصالح معها ونقرأ السلام هناك من جديد على أسمائنا وعلى تميمة الحظ التي اختارها لنا القدر لتملأ خريطة وجودنا بالطمأنينة ..
إن أعظم ما علمتني إياه عيناك هو أن لكـــلِّ شيءٍ روح حتى الحديث الوداعي المفعم بالأمل الذي تختتم به الأشجار في الخريف قصة مسيرتها الصاخبة ...
 روحٌ حفظت تأويلها العذب على صفحة نهر الأزمنة المتجدد خشية أن يلامسه سديم الحزن ويتعكر شكل ذلك الانعكاس الذي أحببناه ... 
 أمّا أجمل ما علمتني إياه عيناك وأنا أتأمل اكتمالها الربيعي: أن أكتفي بها، وأستمع لها، واتحد بأقدارها، أن أتوه وأضيع وأتألم ثم أنسى لأحبك أكثر وأكثر .. أن أحب نفسي وأهتم بها كما تهتم الموسيقى الذائبة في صوتك بحروف اسمي....
 آه لو كانِ بمقدوري كلما نفذت طاقة الصبر لديّ اجتياز أثير زمن الانتظار والتَطلع إلى صورتِي المجسمةِ في مرآة روحك…
يا ليتني أقدر... بل أقدر!!

الخميس، 11 فبراير 2016

كن متسامحاً...


 
كن متسامحاً ...
 حتى لو غابت عن فوضى ألسنتهم مفردات الحب والاعتذار...
ارتجل أنت ما تبقى  من نص الاحساس بالمعنى وإن خانك التعبير...  
لا تقلق  اسْتَدْعِ من أقاصي السماء وحياً يحفظ لك توازن قلبك وطفولته ... 
كن متسامحاً كما كنت تفعل مع اختيارات ظروفك السيئة لتواقيتها، ومع جرأة أحلامك وهي تطوف بلاد الله بجناحي فراشة، وهذا الفراغ الذي يلسع روحك بإيقاع الغياب .... 
كن متسامحاً احتراماً لفجائية "موت ما" تسري في أوردة أقدارك ..
واصبر إلى أن تنضج العاصفة في صدرك ... فالصبر حياة بعد الموت أمل وهيبة ووقار....
وكن هادئاً ، ساكناً كمعدن نبيل حتى في صعودك الحتمي نحو السماء كغمامة مثقلة بهموم الأرض وأوجاعها... 
كن متسامحا ودافئاً ... 
كن أقوى من هذا الشتاء الذي يغلف أجساد المسكونين بالحنين لشيء كان وسيكون ... 
كن سماويا كنور الصبح وهو يعيد للهواء نقاء الأبدية ليتنفس نشيدك المعطر بالندى كل حي على هذه الأرض... 
سامح...كي لا تفقد الحياة نكهتها ونفسك تشتهي البقاء على قيدها. وقل للسائرين خلف رموز حضارتهم كونوا كأبناء الخيام هم أيضا أهل حضارة لكنهم وبحكم التجربة أصبحوا أكثر نضجاً فتراهم لا يطلبون من الدنيا شيئاً سوى الحياد.. 
كن متسامحاً ... صريحاً وشفافاً ... 
كن أخطر المحاورين وأذكاهم ...
أسلحتك مهارة استماع جيّدة، قلب حيّ ولغة راقية ..
.كن شكل حُجّتك المرئي سيولد الإثبات من صدق عينيك... 
سامح وإياك أن تحزن أو تفرح بذلك، 
كن راضياً مبتسما فقط كهلالٍ يتحدى عتمة سماء رمادية...
لكن لا تنسَ أن تغازل ضميرك الحي على طريقة "موجة بحر عاشقة وقمر وحيد" عندما يأتي لزيارتك في موعده الليلي... سامح... كن أنت سيد عالمك البعيد عن كآبة هذا الواقع ... 
عكازته التي تقيه خطر السقوط من كوابيس جلاديه ...
كن الشاهد الشهيد الذي تمسك بحقه وتسامح بدمه ودموع خاصته ومحبيه.. 
كن متسامحاً.
ولا تلتفت إلى هؤلاء الذين يقفون بينك وبين سلام نفسك يحاصرون مصير نواياك ويقطعون عليها الطريق؛ فغايتك هي أن لا تَفنى في متاهات الإنتقام والألم والحيرة وأن تتمكن من لملمة شظايا من سقطوا دون أن تتأذى أو تُجْرَح .. 
سامح ولا تتحرج أو تتردد إن لم يسعفك النسيان فمن منا استطاع تجاوز وصف الجرح في أعماق اللاشعور ومنعه من الانتشار في الذاكرة كلما دق بابه ألم مفاجئ... 
واعلم... 
أن زماناً امتلأ بأسباب الصراع والفوضى ليس زمانك!!
 لكن زمانك لا نهاية له وهو آتٍ. 
وقد يراك البعض في صمتك الكبير مجرد طفل حالم يلهو مع خيالات السنابل !! 
لكن حصادك الجميل حقيقي وهو قادم...
أو قد يصفونك بأنك فكرة طوباويّة تحترق في فجوة من الاحتمالات والمشاعر المتناقضة مع الآخرين!! 
لكن أسوار تسامحك العالية ستصبح للسائلين من بَعْدِكَ تاريخا تطلع من شرقه شمس الجواب ... 
كن متسامحاً لأجلك أنت... 
لأجل كل عاطفةٍ صاغت لك لحن يومك على أوتار العطاء والتضحية...
 لأجل كل قلبٍ سكنت فيه وكان سقفه من سحاب...
 لأجل كل فكرٍ يهتم بك، ويحتفل بقدومك ، ويرافق خطواتك دون أن يلقي بالاً لمفاجآت وعثرات الطريق ... 
كن متسامحاُ لتتسع الأرض لنا أكثر، وتحتمل صفاتنا واختلافاتنا وتنوعنا ...
 ولتداوي خلال دورانها المهيب جراح الأمس باليوم.. 
وتصنع باستدارتها الأنيقة من تضاريس المكان ملجأ آمناً للضوء. 
ولتبقى أطياف الفصول تجمّل لنا وجه الحياة على مدّ البصر وأكثر .

السبت، 9 يناير 2016

حوار الحرية أنا والآخر


أنا : يقولون: أنّه حتى تعيش حرًا يجب أن تضحي بسعادتك ؟
كيف يمكننا تصور شكل هذه الحرية التي ستغلق في وجوهنا أبواب السعادة ؟
-الآخر : في البدايةِ أولًا، يجب علينا أن نوضح مفهوم الحرية لكي ندرك دورها وعلاقتها بالسعادة.
-أنا: الحرية هي أن نتحلى بالإيجابية والشجاعة الكافية؛ لنكون مسؤولين عن أقوالنا وأفعالنا.
اعتمادًا على الوعي بكل ما يجوز لنا فعله وما لا يجوز...
أما السّعادة هي أن تكون حرًا في إطار عالم القيم والمبادئ التي تتخذها لنفسك دون إجبارٍ أو إكراه . 
- باختصار- أنا أرى أن الشخصية السعيدة هي التي تمكنت بفعل الإرادة من تحرير نفسها من أثقال الصدمات والخيبات والألام ...
-الآخر: بنظري السعادة، هي حالةِ التجارب التي نقدم عليها، دونما وضع حدودٍ ومتاريس على عقولنا وفكرنا، وعدم الاهتمام أو المبالغة في مشاعر القلق والتوتر لما هو قادم ، فالسعادة هي أن نعيش اللحظة دون أن نُحَمِّل أنفسنا هموم الغد وأعباء الماضي!!
أمَّا الحرية فهي القدرة على الاختيار والانطلاق بما يكفي للخروجِ من حالة الجمود والموت الذي يكتنف حياة الناس الذين ظنوا أنّ الحرية بابٌ محرَّم فتحه، أو الخوض فيه..
-أنا: قوانين الطبيعة ، الضوابط الأخلاقية والدينية والقانونية، الفكر المجتمعي السائد، السُلطة أيًّا كان نوعها وشَكلها، الظروف المحيطة بنا، العادات والتقاليد، طبيعة الجسد ورغباته كلها عوامل تحدّ من حرية الإنسان. 
لكن ألا تتفق معي أنّ من البديهي القول بأن الحرية المطلقة لا وجود لها فالإنسان كائن اجتماعي وهو يختلف عن باقي الكائنات بأنّه الوحيد القادر على تنظيم هياكل اجتماعية مع غيره من الأفراد باستخدام نظم التواصل والتعبير عن الذات وتبادل الأفكار والمفاهيم، وهذا يتطلب فرض ضوابط على الحريات الفردية كي لا يصل الأمر بالبشر في النهاية إلى عالم متصارع يضج بالخلافات والصدامات.
-الآخر: أتفق معك تمامًا بأن الهدف من وجود هذه الضوابط هو حماية الحقوق والحريات وتنظيمها بحيث لا تتعدى واحدة على الأخرى...
لكن أحب أن أضيف على ما قلته أنّ هذه الحدود والضوابط لتكون إنسانية، ومنطقية، وعادلة، يجب عليها أن لا تتعارض مع الغاية من وجود الحرية، والتي تتمثل باعطاء الحق لكل إنسان في التعبير عن ذاته، وتقديم اضافته ومساهمته النابعة من فكره الحرّ وشخصيته المميزة في بناء مجتمعه الذي هو جزء منه.
واذا أردنا أن نكون عادلين، فهذا يعني أنه لا يمكن لنا أن نصدر حكمًا أو وصفًا على أقوال وأفعال الآخرين دون أن تكون صادرة من إرادة حرّة..
ولاحظي معي أن الكثير من سلوكيات وتصرفات البشر قد تكون في الحقيقة عبارة عن ردود أفعال أو نتيجة وقوعهم تحت الضغط والتأثير، وهنا بالذات يظهر مدى فهم الإنسان لحريته وحرية الآخرين ..
-أنا : لكن عادة ما يصنع الناس تابوهاتٍ جامدة؛ تابوهات لا تستند على أمر فيه خير أو منفعة وللأسف نظن أنها دستور الحياة الذي لا يَجب أن ينتهك أو يكسَر!!
-الآخر : هذا الوهم بعينه .. 
والبعض كما قلتِ يخشى كَسر هذهِ التابوهات فتتحول هذه إلى قوانين مُلزمة تتوارثها الأجيال.
من رضي على نفسه ذلك؛ فهو يستحق أن لا يكون سعيدًا أو حرًا !
طالما كان الانسان مؤمنًا بذاته فلن يجعل لهذه التابوهات مكاناً في حياته... بل يجب عليه أن يفتح كلَّ الأبوابِ المغلقة؛ فالفكرة والنهج قد يبتدعه شخصٌ واحد ولن يشكل بالضرورة الرأي المخالف عائقا أمامه.
-أنا : كثيرون هم من وهبوا حياتهم وأعوامهم للحرية ... 
بحثًا أو دفاعًا عنها ... 
وبالتأكيد لم يكونوا غارقين في غفلتهم السعيدة عن مكوّن أصيل في ذواتهم "الحرية" بل كانوا أحرارًا بما فيه الكفاية لاتخاذ قرار المواجهة. 
ومن العدل والإنصاف أن نقول بأن نضالهم في سبيلها هو من أعطى للحرية المعنى الذي تستحقه كما هي الحرية بارعة أيضا في إضفاء قيمتها على كل شيءٍ في حياتنا.
-الآخر : أتعلمين أمرًا ؟ 
بابُ التخييرِ بين الحرية والسعادةِ غير منطقي وغير مطروح أساساً ، ولَيس لأحد على ذلك سلطة. فمن حريتي تأتي سعادتي .
-أنا: صحيح، ومن حريتك ستأتي حريتي وسعادتي أيضا.

الأربعاء، 25 نوفمبر 2015

لمن لا يهمه الأمر...


لم يخطر ببال أحد ربما .. خصوصا ونحن غارقون في غياهب الذاكرة العربية 
المثقوبة أن تكون احدى أهم وأبرز نتائج ما يسمى ”الربيع العربي ” هذا الكم 
الهائل من مشاهد العنف والقتل والدم والدمار وانتهاك الحريات والكرامة 
الانسانية وتهجير الآلاف من أوطانهم.
تلك المشاهد المفجعة والمؤلمة 
التي نطالعها يوميا وهي من الكثرة بحيث أصبحت تفرض نفسها كواقع طبيعي 
..واقع عنوانه العنف في تكرار مقيت لهذه المشاهد يدخلنا أكثر وأكثر في حالة
 من الإحباط والتبلد الحسي...وهذا يحدث حين يصبح ذلك التعاطف التلقائي البسيط
 النابع من الفطرة الانسانية غريباً ومستهجناً وبالتالي لم يعد لكلمة الحق 
ومنطقها أي تأثير وسط هذا الزخم من الأخبار الدموية وهذا الرعب الذي يعتصر 
قلب الاستقرار والسلام في أوطاننا ..وبالرغم من أن الجميع بات مهدداً ترى 
البعض وهم للأسف أصحاب نبرة الصوت العالي يسبح في محيطات التصنيفات وما 
تحمله بطاقات الانتماء البلاستيكية من معلومات .
أعتقد أن هذا العالم الذي أصبح بفضل التكنولوجيا المعاصرة صغيراً بحجم 
علبة الكبريت جعلنا نصطدم ببعضنا البعض في احتكاك مقصود أو غير مقصود لا 
فرق بينهما وبصورة فجائية حتى قبل أن نعي اختلافاتنا ونتعلم ونطبق آداب 
وثقافات وقواعد الاختلاف والحوار والتعاون والتكامل الإجتماعي في واقعنا 
اليومي.. فنحن في الماضي لم نعوّد أنفسنا على تبادل الأفكار مع الآخر 
المختلف كان همّ تحصيل لقمة العيش في وعينا العربي أهم من العلم ومن هذا 
النوع من الثقافة ... وما أحوجنا كنا حينها لقراءات لكتب الدين والتاريخ 
قراءات تبني وتحب وترحم وتعيذنا من لعنة تكرار الأخطاء التاريخية !!
بأي طريق نحن سائرون ؟؟ وإلى أين وصلنا ؟؟ وهناك محرضون يتلاعبون بدماء 
الأبرياء وأرزاقهم من أجل تحقيق منفعة سلطوية رخيصة ترافقهم آلة قتل تقف 
خلفها ارادة عمياء تتفنن بتحويل الأحياء إلى مجاهيل يحملون رقماً كئيباً في
 سجلات الموت ..بتحويل أحلام عروبتنا إلى كوابيس وتشتيت أذهاننا عن حقوقنا 
وقضايانا ومشاكلنا الحقيقية واغراقنا في تفاصيل لا هدف لها إلا اثارة الفتن
 وزرع بذور الإنقسام والكراهية في قلوبنا وضمائرنا.
والسؤال الآن : 
هل تعلمنا الدرس ؟؟ وهل هناك خطاب انساني مقاوم بدأ يختمر في العمق النفسي 
والفكري والروحي للانسان العربي كنتيجة منطقية للأحداث الدامية التي نعيشها
 ... خطاب معتدل يحتضن آمالنا وطموحاتنا بمواطنة تتسع للجميع تقوم على أسس 
العدالة والمساواة والحرية ؟؟
متى؟؟!
متى يدرك أبناء الشرق 
أنهم ليسوا قرابين بشرية للاستبداد والإرهاب والفوضى وأنه لا تبرير للقتل 
وسفك الدماء وامتهان الكرامة الإنسانية وتشييء الإنسان فالحياة مقدسة وهي 
أعظم من أن تقيد بالغرائز والظروف والماديات والعقل الحر هو روحها 
واستحقاقها..
متى ستلتقي بوصلتنا التائهة في ركامات اليأس بجاذبية 
الأرض العربية وبوجهها الحضاري المتسامح فيكون طريقنا الوحيد إليها قائما 
على ما يجمع وليس على ما يفرق... متى ؟؟

الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

على سبيل الخيال .. السفر عبر الزمن

 
على سبيل الخيال ، لو أردنا السفر عبر الزمن إلى مجرة "اندروميدا"  أقرب مجرة إلينا والتي تبعد عنا حوالي ثلاثة ملايين سنة ضوئية  بسرعة قريبة من سرعة الضوء. 
فإن رحلتنا ستأخذ حوالي خمسين سنة من أعمارنا في الوقت ذاته سيكون قد مر على الأرض ثلاثة ملايين عام...  
وذلك طبقًا للنظرية "النسبيّة" التي تقول بأن الزمان والمكان متغيران ونسبيان فكلما تسارعت حركة الجسم الذي يسير بسرعة تقارب سرعة الضوء في المكان ،أصبحت سرعة مرور الزمان أبطأ.. 
كم تشعرني بالرهبة تلك المسافات الكونية هائلة الاتساع!!
 لا أعلم كيف ستبدو سنوات حياة الفرد القليلة أمام هذه الأرقام الفلكية المخيفة لا أعتقد أن ستين عاما وهو متوسط العمر المأمول للفرد ستكون شيئاً يذكر ..  
وهذا ما يفسر سعي البشرية المحموم نحو التوسع والسيطرة واثبات الوجود وتحصيل أسباب الاستمرار أملاً بأن يكون لديها وجود أو هامش في سجل هذا الكون الواسع ..  
معظم هذه المحاولات خصوصاً تلك المبنية على مبدأ الغطرسة والهيمنة والمفاهيم الإقصائية أو الإلغائية باءت بالفشل واندثرت. 
فمنطق الكون التنافسي دائماً ما يفرض نفسه كأداة تنظيم لكافة الأنشطة البشرية. 
والواقع أن جميع محاولاتنا للسفر عبر الزمن والتحرر من قيود الزمان والمكان تبقى في إطار الأمنيات أمام ماضٍ يستحيل التحكم به أو تغييره، بينما نعيش حاضراً متطلباً يجعلنا في سباقٍ دائم مع الوقت في مواجهة مستقبلٍ لا يعترف إلا بالمُنجَز ... 
 مُنجَز انساني تسوده القيم ...  
مُنجَز بنكهةٍ كونية تتضاءل المسافات من أجله ويتمدد الزمان .

عندما يكون الأمل ميلادًا

  أن يكون الإنسان قادرًا على التَّحكُّم بردود أفعاله، فيرسم مساره الخاص، مُتَّخِذًا منحى التّفكير الإيجابي، ومتجاوزًا كل ما يرهق النفس ولا ي...