الجمعة، 17 سبتمبر 2010

قـالوا فـي المـرض

ܓܨ قـالوا فـي المـرض… ܨ


آآآآآآآه 
جسدي يؤلمني، ورأسي المتعب يراقص قدميّ، وأشعر بأني هالكٌ لا محالة..!
يقرع جرس استدعاء التمريض، فتدخل عليه ممرضة ترتدي ثيابا عصرية تليق بالمشفى المُجهز بأحدث وسائل الراحة والرفاهية ..
صرخ المريض معنفًا الممرضة :
لماذا كلّ هذا التأخير …؟!
من فضلك احضري أغطية اضافية؛ فالحمّى حطمت عظامي، وأشعر بالبرد الشديد ،ثم وأكررها للمرة السبعين، أخرجي باقات الورد من هنا، وخصوصا تلك التي تشبه رأس راقصة جاهلية. 
أما هذا الهاتف اللعين، أقسم بأني سأحطمه إن سمعت له أي صوت لذا قومي بنزع سلك الهاتف قبل أن يتهور أحدهم ويفعلها به وبي..
 وعودي بسرعة قبل أن يحدث لي أيّ مكروه وبدلي الماء البركانيّ هذا بماء بارد فرئتيّ تئن كأنها تحترق، وأشعر بأني مهما شربتُ منه لا أرتوي كماء البحر. 
واستمري بالوقوف هنا بالقرب مني، ولا تغادري الغرفة حتى لو داهمتك آلام المخاض!.
فقد أحتاجك في أي وقت. 
ولا تأذني لأي مخلوق بأن يزورني اليوم، ولا مانع لدي بالنسبة ليوم غد. 
لكن بشرط، أن لا يحضروا معهم أي نوعٍ من الطعام خصوصًا تلك الأطعمة التي تتأكسد بسرعة.!
ولا تقولي في نفسك ما هذا الكلام، فأنا لم أقصّر يوما في عملي!
لا لا فأنتِ تعلمين جيدا أن التنظيف العادي لا يكفي، ولا بدَّ من التعقيم .
هيا افعلي ما أمرتك به دون نقاش، ودون أن يتحول وجهكِ إلى حالة العبوس الرهيبة هذه، بل استمري بالعمل والإبتسامة تزين محياكِ!
ولا تنتظري مني كلمة شكر واحدة، فهذا واجبك، وطبيعة عملك التي تتطلب منك التحلي بالصبر والهدوء.!
واقرأي ملفي جيدا؛ فهناك أنواع من الأدوية والأطعمة تسبب لي الحساسية وإن كان الطعام هنا عديم النكهة أشكّ بأنه لحم سحالي استوائية!!
 فهذا الطبيب المجنون يظن أني آلة لتنفيذ أوامره ونصائحه التي أشك بأنه قادر فعلًا على تطبيق واحدة منها.
وأنتِ ألم تسمعي صوت حذائك ِالموغل في الإزعاج..؟!
وحليك التي تُحْدث رنينًا ينافس ضجيج هذا الشارع الذي لا يهدأ ليلاً ولا نهار .
ماذا؟!
ألم ينتبه مدير المشفى لتلك الآفة القابعة أمام امبراطوريته؟!
فلا تندهشي إذن إن قلت لكِ بأن أخطاءك التي تقترفينها بحق عملك المقدس هي نتاج ادارته الفاشلة.
ثم أسلوب الطبيب -ياإلهي يا إلهي- يعطيني المعلومات الخطيرة هكذا بصوت رخيم، كأنه يغني بمناسبة وطنية أمام جنرالات وفتوات حرب مصيرية!
آه... 
ما سبب هذا الجفاف الذي يلتهم حنجرتي بلا رحمة؟! 
لا يهم .. لا يهم، فالخطر ما زال بعيدًا، أليس كذلك؟؟
صحيح، ما شأن هذه الورقة بين يديكِ؟!
هاتي لأرى، بالتأكيد مصيبة جديدة ؟
ماذا؟؟
لا يمكن!
 تصريح بالخروج من المشفى!.

الأحد، 29 أغسطس 2010

في حضرة الحب الفرعوني…


ِ

AIDA : Guiseppe Verdi

Designed by : Rula  Al omar
_______________
في حضرة الحب الفرعوني…*(1)
المكان: مدينة (ممفيس) مصر الفرعونية 
الزمان: عهد "رمسيس" الثاني (1304-1238)ق.م.
الأحداث الرئيسية
 شهدت هذه الفترة المعارك التي خاضتها الممالك الفرعونية ضد ملك الحبشة "آموناصرو"..



إلى الجنوب منتصرا
وأخيرا عاد "راداميس" قائد الجيش الفرعوني إلى مصر على رأس موكب مهيب
 و بدأ الطواف حول معالم المدينة الفرعونية معلنا انتصاره 

 على الأحباش
 يجر وراءه غنائم نصره العظيم … و عايدة أسيرة حرب لدى المصريين..
كنهاية ثوب كهنوتي مقدس
تطارد بركة النصر حروب "راداميس"
لكن
 من أحبك أكثر من النصر يا "راداميس"؟؟
إبنة عدوك الأميرة عايدة الحبشية…
تلك السمراء
العذبة
الرقيقة
كماء النيل

 
بين الحب و الحرب

أصبحت الأميرة بعد وقوعها في الأسر جارية عند "امنيريس" إبنة فرعون…
لكن هذا الحال لم يمنع الحب من أن  يتسلل  إلى قلبها كما يتسلل النسيم بين خصلات شعرها السوداء
 ويسكن وسط عالمها المشحون بالقلق والترقب.
حيث تتراقص أشباح الحرب حول الذكريات وتفل الأجساد.. 
فيطل عليها من قمة رحيل ذات رمل ملون وسراب حزين طيف لقاء تغزل عايدة من خيوطه المتلألأة قيثارة عشق يائسة تحمل عنها صمت حب أراد لنفسه أن يكون بلا قيد وبلا حدود.
 يتبعثر في العيون حتى يتلاشى في مدى عناق أبدي
 مع من بات كالناووس*(2) مستعداً لكل شيء وللموت حباً وحرباً..
فالحرب لم تنته وهاهو والدها ملك الحبشة يقود جيشاً لإستعادة ابنته الأسيرة بينما ابنته تقف أمام بستان حيرتها تنتظر ثمرة محاولة ناجحة لإخفاء مكنوناتها وقلبها العذري يصغي بانكسار  لكلمات "رادميس" الأخيرة لها قبل ذهابه لقتال أبيها و شعبها:
عائدة لا تكوني كالحرب فهي لا تشبهك كوني كدروب الحصون هادئة بقدر ما تستطعين  



سرير الشوك
 لم تجرؤ الظنون والهواجس على ترك ابنة فرعون تنعم بالهدوء.. وكأن ظنونها باتت متيقنة من أن  هذه السمراء تحمل مشاعر حب لرجلها المنتظر…
و أمام صمت عايدة لم يكن أمام "امنيريس" إلا امتحان قلب جاريتها، فاستدعتها إلى جانبها، شقت ثوبها
وتظاهرت بالبكاء..ثم همست لها قائلة : 
هناك أنباء سيئة عن رادميس أعتقد بأنه قد قتل في الحرب 

لم تتمالك عايدة نفسها أمام خبر كهذا
فانهارت باكية
حينها تأكدت "امنيريس" بأنها قد خسرت قلب راداميس إلى الأبد…

وبين الحب والحرب تغيب النبؤات ، وتتوه في صحرائها القاحلة قافلة الأمل حين يعود راداميس منتصراً وترى عايدة بعينيها والدها أسيراً يساق كالعبيد …  
يقف القائد  بين يدي فرعون، متهللا، فخورا بالنصر العظيم..
مستبشرا بما سيأتي على لسان الملك رمسيس الذي سرعان ما أعلن عن مكافآته قائلا:..
نهنئ أنفسنا بهذا النصر العظيم أيها المحارب الشجاع والآن وبكل سرور أعلن بدء
 مراسم زواجكما أنت وابنتي امنيريس … ولم يكن فرعون يدري ان سحابة عشق مجنون باتت تظلل قلب قائد جيشه المظفر وأن في الحرب  ثمة مرايا كثيرة تعكس أحوالاً لا تبصرها العيون إطارها فسيفساء ألم ودموع، فرح لقاء، وعذاب حب يولد من رحم العداء، وسؤال حائر يطوق شغاف القلب يبحث عن أي نهايات قد يبشر بها هذا النوع من الحب ..
وما من شيء في رحم الاجابات 
ما من شيء سوى نبضات ذنبُ عذبُ جميل





طقوس الفرح
 يلملم النصر كسر الفرح الأخيرة في قلب رادميس وعلى سلم مجد مكسور يصعد إليه فيتجعد ماء الزمن المقتول في عينيه كلما اقترب منه أكثر مصير حبه المحتوم بينما تجري في  معبد ايزيس الإستعدادات على قدم وساق للإحتفال بزواجه من ابنة الفرعون وبين الفينة والأخرى تعلو الأصوات الجميلة مرددة عبارات تليق بهيبة المكان :
أيتها الشمس ارتدي ثوب الفرح وتألقي بزينة الحياة لأنك هبة الروح الخالدة التي أشرقت علينا من قلب إيزيس 

تم اطلاق سراح الأسرى كما طلب راداميس كمكافأة له من الملك  
لكن هذا لم يكن كافياً لانقاذ حبه ففي مكان قصي من المعبد
آخر الوصايا

من ملك مهزوم إلى ابنته العاشقة:


  عايدة
…ابنتي…
عايدة : نعم يا أبي
آموناصرو:أواثقة أنتِ من حب راداميس ؟؟
عايدة:نعم، وأدرك أبعاد موقفه في حال رفض الزواج وخرج عن طاعة الملك
آموناصرو: عايدة،اسمعي ما سأقوله لكِ جيداً ما الذي يمنعك الآن من خدمة وطنك؟؟ فمحبة راداميس لك  فرصة لن تتكرر وقد تمكننا من معرفة بعض الأسرار الحربية ..
عايدة :لا، لا أستطيع .. لا يمكنني أن أخدع راداميس وبيننا عهد حب يا أبي
آموناصرو: لكنك تحبين وطنك أيضاُ أليس كذلك؟
عايدة :…أبي أرجوك لا تجعل من ايقاع تلك النبضات التي أعادت لقلبي اعتباره فحيح خنجر مسموم
آموناصرو:عايدة… مستقبل وطنك أهم من راداميس
عايدة: لقد فهمت 
يا أبي،سمعاً وطاعة …
 يلتقي الحبيبان تحاول عايدة اقناع رادميس بالهروب إلى الحبشة فالحرب ستقتل حبهما لا محالة لكن رادميس رفض ذلك قائلا بأنه سينتصر في معركته القادمة بكل تأكيد  مشيراً إلى الطريق الذي سيسلكه في معركته القادمة ضد الحبشيين ..
فجأة ظهر اموناصرو ملك الحبشة الذي كان مختبئا خلف جدار في المعبد معلنا عن هويته الحقيقية وهوية ابنته التي أخفتها عن المصريين طيلة مدة مكوثها في الأسر.. لم يتمالك راداميس نفسه فصدمة كهذه كانت أقوى من أن يحتملها قلبه المحارب مدركاً أن 
لا شيء يمكنه أن يمحو عن جبينه وصمة الخيانة ولا مناص له من ذلك إلا بالهرب لكن سوء حظه أراد أن تكون العروس امنيريس  حين سمعت حديث المعبد دون أن ينتبه إليها أحد طرفاً خفياً فيه جعلها تخوض صراعاً مؤلماُ  بين واجبها تجاه وطنها و رغبتها الشديدة بالإقتران برجل عظيم كراداميس ..، 
لكنها سرعان ما ترجلت عن حيرتهاوذهبت للقصر مسرعه لتخبر الملك بخيانة خطيبها..



إعدام *(3)
غضب لم يزر محيا الملك رمسيس  منذ فترة طويلة، جعله يبارك فوراَ تطبيق القانون الفرعوني وهو الإعدام ،فهذا جزاء من يفكر في خيانة وطنه…
يستسلم راداميس لراية الإعدام، ويسلم نفسه بهدوء لجلاديه فهو يدرك أن ما قام به ليس خيانة بالمعنى الذي أعلنه فرعون أمام رعيته
فالحقيقة أن في قلبه نوعان من الحب لا يلتقيان
 ولا يتساويان
بل يجب أن يعيش أحدهما على حساب الآخر 


الأمنية الأخيرة
امنيريس:راداميس حبيبي أرجوك عد إلى رشدك
سيعفو أبي عنك إن ابتعدت عن عايدة
راداميس: لا فائدة من كل هذا الحديث لن أقوم بشيء حيال ذلك … اتركيني وشأني امنيريس
امنيريس :عايدة لا تحبك صدقني ، هروبهاالآن ليس له إلا تفسير واحد وهو أنها لم تحبك يوما بل كانت تخدعك! ..
راداميس:أنا لا أصدق سوى قلبي وقلبي يخبرني أنها تحبني كما أنها قطعة من روحي وروحي لا تكذب  ..




في القبر

  مراسم الإعدام، ولون الحداد الحزين يغطي وجه اليوم في منف
تم تجهيز قبر "راداميس" وبات واضحا للعيان أن  قرص الشمس لن يغادر المدينة  قبل أن يلتهم جسد القائد الشجاع حيا…
طقوس دينية لحفظ (البا)
*(4) و (الكا)* 5) ، و بكائية تليق برجل رفض الحياة واختار الموت من أجل  عايدة
وحكمة تظهر على ملامح المتفرجين قائلة : إن بين ما يجب علينا القيام به وما نرغب به تجربة الموت….

يتم انزال "راداميس" حياً إلى القبر…
صمت وظلام رهيب
قرر راداميس بينه وبين نفسه أن يلتزم الصمت في القبر احتراما لموته! 
لكن صوتٌ ملائكي ملأ القبر بالحب والوفاءجعله يوقف تنفيذ القرار
الصوت المجهول : هل تشعر بالوحشة أيها القائد الشجاع ؟؟
لا تخف؟؟
لن ننتظر الحرية طويلا 

فغداً سوف نحلق كالطير في سماء الأبدية 

ونحيا سويا في أرض السعادة الخالدة …

راداميس وقد تملكه الاضطراب: من أنت ، من معي في قبري؟؟
الصوت المجهول : أنا عايدة…
راداميس: مستحيل ,,,من عايدة؟؟!!
عايدة : عايدة الهاربة من حكم الموت إلى حبك….


________________________________



*(1)في حضرة الحب الفرعوني…هي  رؤيتي المستوحاة من أوبرا عايدة للموسيقار الإيطالي فيردي  والتي  ألف قصتها ميريت باشا عالم المصريات الفرنسي، ،وتم عرضها لأول مرة  علي مسرح دار الأوبرا القديم بالأزبكية في 14 ديسمبر 1871 ،


 *(2) الناووس:صندوق يحتوي على إله أو رفات الشخص المتوفي مكان يكرس لذكرى شخص متوفي

ْ *(3)من الجرائم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام في مصر الفرعونية : القتل و سرقة المقابر ،عدم إفشاء مؤامرة ضد الفرعون، عصيان أوامر الملك، قتل الحيوانات المقدسة. العبث  بالمقدسات.الاغتصاب السحر ،التصريح بالكذب عن الموارد المالية.عدم إغاثة من تعرض لهجوم قطاع الطرق. الحنث في اليمين.



*(4) البا : تعرف البا في فى الدين المصرى القديم بأنها عنصر الحياه في الإنسان وهي (الروح)

* (5) الكا :: قرين الجسد عبارة عن شبح غير مرئي له شكل الإنسان يعتقد الفراعنة بأن بقائه على قيد الحياة مرتبط ببقاء الجسد سليما لذا كان الفراعنة يقومون بتحنيط موتاهم



الخميس، 27 مايو 2010

يوم في حياة صحيفة مواطن عربي …



جريدة… قهوة صباح ساخنة…حموضة في المعدة تفضح عادات غذائية سيئة …!
نسمات مترددة بين البرودة القارصة والدفء الخجول تجر معها الأوراق المترامية على الإسفلت العتيق…!
يرمي حقيبة جلدية ويجلس بتأن وحرص على مقعده المفضل في الحافلة … يضحك سرا وهو يجول ببصره كافة المقاعد والجالسين عليها ، فقد اعتادوا على ذلك، أن يكون كل منهم في مكانه المخصص .. يهز رأسه ويهمس لنفسه: العادة.!!
يطالع ساعة يده تروق له فكرة الإنتظار … 
 يخرج الجريدة يهم بقراءتها …
لكن وفي خارج اطار العادة تلفت نظره وجوه كثيرة … تزاحم محدثة صخبا كأنه أغنية غجرية…!
يتساءل بدهشة:  هؤلاء من أي أرض ٍ قدموا؟؟ ليسوا من قريتي …ربما فوجٌ سياحي … لكن لا تبدو عليهم هيئة السفر وأيديهم وظهورهم خالية من الأحمال ثم أنهم جاءوا فرادى وليس لديهم من يقودهم….!

يتركهم … ويعود لجريدته يقرأ التاريخ واليوم والعناوين المتباينة…
زيارات دبلوماسية توعد بالتفاؤل ، تبادل ثقافي … صفقات سلاح …يطلق زفرة قوية مزلزلة .
أحد الغرباء يطلب منه بابتسامة جذابة مشاركته المقعد …
قارئ الجريدة:تفضل.!

يجلس الغريب دون أن ينبس بكلمة تدل على الشكر ساحقا الإتساع بجسده العريض.!
تضيق مساحة النور المنبثقة من الصحيفة ، وضعٌ يبعث على الإرتباك لكن ما زالت امكانية القراءة جيدة … يعود إليها.
مؤتمر لمصدري النفط …ارتفاع أسعار الذهب … البورصة تستعيد توازنها …نجاة من أنياب التضخم.!
لو سمحت-فاصل اخباري من الغريب- لو سمحت هل لك أن تساعدني  و تدفع عني ثمن التذكرة لاني لا أملك فلسا واحداً من عملتكم ولم أتمكن من الحصول على…؟!!
 قاطعه قارئ الجريدة بابتسامة مفخخة  وناوله على الفور قطعتين من النقود المعدنية .!
ثم رجع إلى رفيقته محاولا الاندماج معها من جديد … ما بال هذا الصباح أخبار شيقة ؟!
 تنزيلات على ألبسة الموسم الفائت قروض تشمل كافة الاحتياجات… كل شيء بالتقسيط حتى العمليات الجراحية … خصومات مغرية .
عمالة أجنبية من كافة أنحاء المجرة.!
اعلانات…اعلانات…اعلانات.

لو سمحت-فاصل اعلاني من الغريب- هل يمكنني أن أقرأ ما أنهيت من صفحات جريدتك … أشعر بالملل وأرى ان مزاجك هذا الصباح ليس على ما يرام … فلم تتبادل معي سوى اشارات وكلمات مقتضبة لاتوحي لي إلا بانك تشاجرت مع أحد ما أو أن لديك مشكلة في العمل … آه أو ربما أنك تعاني من بعض المشاكل الصحية … أو قد تكون مشكلة مادية مثلا فهذه أكثر مشاكل الرجال تعقيداً فهي تمس رجولته….!!!!!!!!
هيه.انتهينا ، فهمت …خذ ما تريد !! ناوله صفحات عشوائية بغضب مكتوم… يا إلهي أي منطق يحكم هذا الرجل أصبح بقدرة قادر ظلي ومع هذا الجحيم الجالس بجانبي لن أشغل بالي به …جريدتي أهم…!
تعالي أضمك لصدري وأخبريني عن حال الفن…
انهيار أحد أدوار دار الأوبرا …. الفنانة الفلانية تقاضي طبيب التجميل الشهير حيث اكتشفت أن انفها ليس سوى استنساخ لأنوف زميلاتها … معرض الفنان الفلاني الذي يحمل عنوان (آخر يوم في سنة كبيسة) يحطم رقما قياسيا في المبيعات ويتربع على القمة … افتتاح أول مدرسة لتعليم موسيقى ما قبل التاريخ…!

يبتسم قارئ الجريدة ويهمس لنفسه : لولا فقري لذهبت وتعلمتها هذه التي تسمى موسيقى ما قبل التاريخ!!!
لا لا نظري أولى بالعلاج لأتخلص من وساطة الزجاج…
ثم رفع أحد أصابعه ليتأكد من لمعان خاتم بفص أزرق و أكمل هامسا : أمي تؤمن بأني محسود ودائما ما كانت تنبهني أن علي أن أرتدي التمائم خصوصا في المناطق التي يكثر فيها الغرباء … لكن متى سيذهب عني هذا النحس فقد مللت وظيفتي التي تجعل ماء الغسيل دائما بلون الرماد……….!!!!!!!
صرخة…. لا لا يمكن يا لا الحظ .
استدار قارئ الجريدة برأسه وجسده نحو الغريب… ما بك لماذا كل هذا الصراخ ؟؟!!
الغريب و أنفاسه تسابق صوته:اقامتي في بلادكم لم تتجاوز الأسبوع!!.

قارئ الجريدة: نعم فهمت ولماذا الصراخ إذن؟!!
الغريب : أليس هذا اعلان اليناصيب الوطني ؟؟؟!!
قارئ الجريدة وهو على وشك الانفجار: نعم صحيح!
الغريب : هل تصدقني إذن إن أخبرتك بأني الفائز بالجائزة الكبرى لهذا الشهر …!!
الإهداء
إلى كل مواطن اكتشف في الوقت الضائع انه لم يكن سوى جندي مجهول في معركة الظل …!!







الخميس، 13 مايو 2010

ترنيمة الأرواح فوق المياة للأديب الألماني يوهان غوته

ترنيمة الأرواح فوق المياة 
للأديب الألماني يوهان غوته


Gesang der Geister über den Wassern

Des Menschen Seele
Gleicht dem Wasser:
روح المرء تُشبه الماء
Vom Himmel kommt es,
من السماء تأتي
Zum Himmel steigt es,
و إلى السماء تصعد
Und wieder nieder
Zur Erde muß es,
Ewig wechselnd.
وعليهما الهبوط ثانية إلى الأرض في تناوب أبديّ

Strömt von der hohen,
Steilen Felswand
Der reine Strahl,
من الأعلى ينحدر السّيل النقي
Dann stäubt er lieblich
In Wolkenwellen
Zum glatten Fels
 

فيكتسي الغبار بجمال آخاذ 
 في موجات قاتمة
إلى الصخور الناعمة
Und leicht empfangen
Wallt er verschleiernd,
Leisrauschend
Zur Tiefe nieder.

و بترحاب لطيف 

يتموج متستراً
بخرير هاديء ، أسفل إلى الأعماق
Ragen Klippen
Dem Sturz entgegen,
Schäumt er unmutig
Stufenweise
Zum Abgrund.

تنتصب الصخور

لتلتقي انحداره
فيرغي مزبدا ساخطا في مراحل إلى القاع
Im flachen Bette
Schleicht er das Wiesental hin,
Und in dem glatten See
Weiden ihr Antlitz
Alle Gestirne.
 

في المناطق المتمددة

ينساب هادئا إلى الوادي المخضوضر

وفي البحيرة الشفافة الناعمة
تغسل كواكب السماء كلها أوجهها
Wind ist der Welle
Lieblicher Buhler;
Wind mischt vom Grund aus
Schäumende Wogen.

والنسيم هو حبيب الموج الفتّان
حيث يثير الأمواج المزبدة من غور القاع
Seele des Menschen,
Wie gleichst du dem Wasser!
Schicksal des Menschen,
Wie gleichst du dem Wind

روح الإنسان كم تشبِّهها بالماء!
قدر الإنسان…… كم تشبِّهه بالنسيم!
(1779)
 


الأحد، 21 فبراير 2010

محمد علي باشا و أضغاث حلم عربي

   
محمد علي باشا و أضغاث حلم عربي
بقلم: رولا العمر

حتى تكون هناك باشوية لمحمد علي في مصر كان عليه أن يتخلص من المماليك بالتعاون طبعا مع الإمبراطورية العثمانية والمصريين الذين وجدوا فيه الرّجل الداهية الذي سيصعد بمصر الحرة المستقلة والطموحة إلى حياة أفضل .
تم لمحمد علي ما أراد في سبيل التخلص من المماليك بعد مذبحة القلعة عام (1811) بل واستطاع أيضا بخطوته الجريئة تلك أن يمتلك ما يحلو له من أراضي مصر ويحتكر من خيراتها ما يرغب به فيما بعد.
فقد أصبح صاحب العصمة بمباركة الجميع!
والعثمانيون هنا وهناك يخمدون ثورة للوهابية في الجزيرة العربية ثم يذهبون مسرعين لإطفاء نار ثورةِ يونانية عارضين جزيرة كريت مكافأة مؤطرة بالذهب العثماني لفارسها المحبوب محمد علي باشا, والباشا ينفذ بكل إخلاص .
كلّ ما قيل  عن محمد باشا منطقي ومألوف في عالم السياسة لكن ما يثير العجب أن نفس الشخص الذي يحقق حلم الحرية ويؤسس الدواوين وينظم قطاعات الدولة بطريقةٍ آخاذة هو نفسه السلاح المستخدم لقمع الثورات والحريات في مناطق أخرى كانت تحلم حلماَ مشروعا كحلمِ المصريين…!!
وأنا عليَّ أن أكمل فالسير مع الباشا ممتع جدا  فهذا الرجل ستحبه بالتأكيد ؛ لأنه عرف كيف يحب مصر و يصد الباب  في وجه  كل مستعمر طامع  لكن هل أحب غيرها أو بالأصح معها؟؟
الشام …  العذراء الجميلة والتي بدأت تسترق النظر بخجلِ يذهب العقل لحلم محمد علي .
فجزيرة العرب والسودان الغني واليونان موطن الحكمة والعلم تحت حكم الباشا ولم يبق لتحقيق الحلم سوى الشام والعراق !
فهل تصمت الدولة العثمانية أمام توسع محمد علي المتوقع لتكوين مملكة عربية متحدة من مصر إلى العراق؟!
العثمانيون لم يأتوا بجديد بل انتهجوا ذات السياسة وهي قمع وخنق أي صوتٍ مستقل أو معارض لكن هذه المرة حشدت الدولة العثمانية قواها  لصد جيوش محمد علي  
وولديه أحمد وإبراهيم .!
السير مع الباشا ممتع ألم أقل ذلك؟ فقد بدا واضحا حلم الباشا بتأسيس دولة موحدة تجمع العرب بعناصر وحدتهم تحت رايته!
رغم أن الباشا لم يكن عربيا ومع أصوله الغير مشجعة حلم ذلك الحلم دون اكتراث بتكاليفه الخيالية والذي حول الباشا إلى رجل خطر ، وعندما نقابل شخصا بخطورة محمد علي وبعد نظره حينها  لا يمكن لنا أن نعرف أو نخمن الخطوة التالية التي يمكن أن يقوم بها !
في عام (1828) لم تعد العلاقات بين الدولة العثمانية والباشا كما كانت في السابق فقد جرحت  (لا) التي قالها الباشا في وجه السلطان العثماني مشاعر الأستانة  عندما طلبت العون  منه أثناء حربها مع روسيا.!
فانقلب الحال وصاحب الحال وأصبحت الدولة العثمانية تنتظر أقل حركة تمرد من محمد علي لتنقضّ عليه هي والخائفين على مصالحهم في الشرق !
والباشا أسير خياراتٍ ثلاث :
خيارٌ فرنسي يعطيه الحق بتأسيس باشوية وراثية في مصر على أن يبقى تحت سيطرة الدولة العثمانية .
خيارٌ بريطاني متشدد يصطدم بقوة بحلم محمد باشا بتأسيس المملكة العربية المتحدة.
وخيارٌ ثالث متقلب مزاجي وهو للدولة العثمانية .
والجميع يشعرون بالضيق والإنزعاج من الوالي ،
والأرض العربية منكمشة تحتضن ذراعيها بخوف ولا تعلم متى سيتم انقاذها .
والباشا بعد معاهدة لندن (1840) يخرج صارخا بلهجته المصرية التي أعشقها: (خلاص ياجماعة أنا عايز مصر لوحدها بس سيبوني أتكلم … بس أتكلم).


تغزو النفس رغبة
تبدل الماء بالدماء نخبا …


السبت، 19 سبتمبر 2009

جدائل غباء و رأس رجل مترنح… بقلم رولا العمر



يلتقيان صباحا …
يتبادلان النظرات …
هو يعتقد أنها تحبه
وهي تعتقد انه يحبها…!

يطيلان البقاء تنتظر شيئا يغذي شكوكها نحوه ..!
هو يبقى ساكنا بلا حراك سوى نظرات طويلة معبرة.


تغادر المساحة الخاصة به … لكن ما زالت تعتقد انه يحبها … يتركها هو أيضا مطمئنا واثقا من حبها له…!

          بعد ايام
يراها قادمة من بعيد تنتشي ملامحه…
يثيرها هو فتطيل التأمل فيه…!

ينتظر هو صوتا حالما منها وان كان يستطيع سماع ما يريده من قلبها دون ان تتكلم فهي بالتأكيد تحبه.

هو لم يفعل في يوم ما شيئا من أجلها …!!
وهي لم تتصرف بأنوثة تليق بجمالها  أمامه …!!
لكنه يعتقد أنها تحبه وهي كذلك.!

تجمعهما الصدفة يبدي كل منهما للآخر نوعا مميزا من الاهتمام .
اهتمامه خائف عقيم لا يخرج عن نطاق المعتاد مع انه متأكد من حبها له…!!
اهتمامها فضولي مدفوع بدافع غامض كهذا الرجل لكنها مؤمنة بكلمة الحب التي تصرخ من خلال صمته الخجول…!!!


 يتقابلان تسأله بخليط عجيب من السذاجة والخبث ان كان يحمل في قلبه لها اي نوع من المشاعر.
يرد على سؤالها بسؤال …
يصمت أملا بسماع اجابة منها …!
تختار هي الصمت أيضا   …!
يضحكان… يتبادلان نظرات صبيانية ثم يغادران ولا شيء.
لكنه مازال واثقا من حبها له وهي كذلك…
يحضر أمامها أنثى يتأبط اهتمامها بتباهٍ زائف.
وهي لم تترك اسما ذكريا دون ان تهلل له بآيات الاعجاب أمام رجلها الخجول…

يعتقد هو أنها تغار عليه فهي بالتأكيد تحبه.
ترى هي في غيرته لذة لا حدود لها فهو يحبها بجنون.!!

تهمه أخبارها يراقبها من بعيد يستفزه جنونها…!
تشتاق هي لإرتباكه لبرود كاذب يتصنعه وقت احتراقه حبا.!
يضيعان في حلقة لا متناهية من الحيرة لكنهما مطمئنان ان نسيان كل منهما للآخر مستحيل فكلاهما عاشقان بأمر غامض.

يصمم هو في لحظة يأس أن يتركها ان هي تركته .
وهي ترى في تركه وسيلة لاجباره على الافصاح والبوح بمشاعره .

           يتزوجان


  
يتزوج هو بأخرى…
تتزوج هي بآخر…
زواجهما لم يكن صامتا كحبهما

يلتقيان بعدالزواج !!!
يحاولان ارتداء اي قناع لأي نوع من السعادة …
لا يضحكان هذه المرة قد  ينكشفان.
تهرب من نظراته يتجاهل هو نظراتها.

فهي باتت تعرف انها خسرت بريق جدائلها بسبب انوثة متعثرة.
وهو اصبح يعلم علم اليقين أن  جدائلها عجزت عن انقاذ رجولته المترنحة من السقوط.!
___________




الإنسان لا يحتاج لتخطيط مسبق يسير عليه حتى يتمكن من الوصول إلى الحب لأن الحب الحقيقي هو المسيطر على قوى العقل الظاهر والباطن لذا فمن دروب العبث محاولة اخضاعه لعلم يمنطقه أو تقنينه لينسجم مع حال أو عادة أو ظرف معين.
فالحب هو ذلك الحلم الذي يمسك القلب ويحميه من السقوط في وحل المادة وصقيع الغباء …
وهو بالتالي لا يحتاج الى التفكير والتحليل كي نؤمن بوجوده وحلوله فينا فالعطاء والتضحية يكشفان سره في لحظة اعتراف أسطورية..

ومن هنا أقول:
ما أعظم روح المبادرة في الخير في الحق في الحب في كل ما يتفق مع انسانيتنا .
فبخل العاطفة أو المشاعر اشد فتكا من بخل المال…



الأحد، 30 أغسطس 2009

المفاهيم بين النظرة والرؤية… بقلم: رولا العمر


في سياق جدلية أهمية المفاهيم في عملية الاتصال الذاتي والجماعي بما في ذلك كيفية النظرة للآخر، يتأكد لنا كأصحاب للمناطق الملتهبة والمشتعلة أن العالم يجيد النظر إلينا نظرة اجتازت مرحلة العفوية بقدر كبير.. 
وفي ظل تدحرجنا سويًا في فضاء هذا الكون الغامض تتدحرج الاحداث معنا؛ 
ولأن الأحداث العظيمة عادة تنتج بنشاط جماعي؛ ولأن الانسان مخلوق اجتماعي بفطرته أتت أهمية الاتصال… 
الاتصال الذي يغذي الحوار وهو ذاته الذي يقود الى جحيم الحرب…! 
 وبلا شك أن تلك الكميات الهائلة من المفاهيم وحسن استخدامها أثناء اتصالنا بالآخرين هي الحكم المنصف على مدى نجاحنا في عملية الادراك…!! 
وبالتالي فان كل ما قد يصل اليه الفرد من الادراكات الصانعة للمفاهيم لا يسمو الى مرحلة التعميم الا اذا اعترف به المجتمع المعرفي … ومن ثم تأتي أهمية الخروج من حيز سطحية النظرة الى عمق الرؤية للمفاهيم وهو المحك الحقيقي في عملة التطور والبناء…!  
منذ دخلت الحضارات الانسانية مرحلة التنظيم، أوجدت ما يناسبها من المفاهيم التي تضمن لها تصورًا معينًا للحياة، فكل من هذه الحضارات لم تنظر للواقع الا من وجهة نظر أوجدتها الطبائع المميزة والخاصة بها وضمن التأثيرات البيئية والاجتماعية مع مراعاة سطوة الارث الحضاري والتاريخ…!  
منها مفاهيم استطاعت السيطرة على عالمنا وكتبت بسطور دموية فصولا من الصراع الغريب العجيب والمدهش ان تقف اقلام شهود العيان حين ذكر أسبابها واهدافها عاجزة مشوشة وربما مصدومة باكتشاف الشعرة الرقيقة التي تفصل بين الحضارة والهمجية(الجاهلية) رغم المدة الطويلة التي احتاجتها البشرية لتنتقل من طور البدائية الى التحضر والتقدم…!  
والمفاهيم تستخدم لخلق ظروف معينة وهي أيضا أبرز ما تنتجه السياسات والظروف… 
بوصف آخر هي مرآة العصر والأجدر بأن تحظى بأكبر فرصة للقبول … وبطريقة ذكية تسيطر مفاهيم ذات طبيعة بشعة مقطوعة الصلة بالعلم على مجتمع كامل وتتشرب اوردته أركان الفكرة كما حدث للفكر النازي أو الفاشي … 
وكل هذه الفوضى من الايدلوجيات تصب في مفهوم واحد وهو (العنصرية) !  والمفاهيم زئبقية مراوغة كمفاهيم السياسة فتارة يستخدم مفهوم الاصلاح لتبرير التدخل الاجنبي في دولة متاخرة في الثقافة السياسية وتارة اخرى كأفضل وسيلة ليجذب بها مرشح انتخابات اصوات الناخبين…! 
 والمفهوم تصور ذهني لخصائص الاشياء قد ندركه بالحواس او الخبرة او بالمخيلة. 
فمثلا مفهوم العدالة لدى (مونتسكيو) كما ورد في كتابه روح القوانين:
 (( إن مفهوم العدالة يدلل اول ذي بدء على ذلك المبدأ الأخلاقي الذي يفترض احترام معايير الحق من جهة ، وعلى الفضيلة التي تتطلب احترام حقوق الآخرين من أبناء المدينة من جهة أخرى)). 
 وبالتالي فاذا لم تتوفر أثناء التطبيق لمفهوم العدالة إحدى هذه الخصائص من التزام الاخلاق  والفضيلة، وحفظ حقوق الغير، فنحن بكل تأكيد نعاني من خلل في رؤية العدالة في مجتمع المدينة الذي تخيله مونتسكيو.! 
 ولا تتشابه فئتان تمتلكان خبرات ومصالح متناقضة في رؤية واحدة للمفهوم فعلى سبيل المثال لا يستطيع مجتمع البادية والمدينة الإتفاق على مفهوم واحد للرفاهية..! 
وأن تتفق فئة مسحوقة تخوض نضالا مشروعا في نطاق الدفاع المشروع وحق تقرير المصير و قوة امبريالية على تعريف موحد للحرب المشروعة مما يخلق أنواع عديدة من الصراع الذي كان من الاجدر ان يكون ايجابيًا بحيث يصبح الفكر أكثر حركة وعملية البناء أوسع وأشمل وأكثر خدمة للإنسانية…!  
والاختلاف هو بالذات من يضع الحد القاطع لإستمرار عملية التقليد والإستيراد العشوائي للمفاهيم في بعض المجتمعات لأنه من الطبيعي أن تخضع المفاهيم المستوردة لرقابات عدة وقيود من أنواع مختلفة…! 
 والخطورة تكمن عندما تكثر المفاهيم التي تطرق رؤوسنا صباح ومساء، وما يسببه طرقها المتواصل من ايحاء قد يضعنا بكل حرص داخل حجرة مغلقة بجدران من الضياع. 
ولا شيء أقسى من ضياع الفكرة الرئيسية مع كميات هائلة من الافكار التي لا أهمية لها أو لاتملك تلك الصبغة التي تعطيها الأهمية . 
مع مراعاة أن التنوع عامل اساسي للارتقاء لكن باشراف مسؤول مدرك ان الإستهلاك الآني للمفاهيم لن يجدي نفعا…!  
وبكل تاكيد فان الزمن قادر على كشف كل الشوائب التي تعلق بأصل المادة ولعل الممارسات الخاطئة والرؤية القاصرة لأجمل المفاهيم التي انتجتها الانسانية أصبحت على مستوى يمكن رؤيته بعين الضمير المجردة لإستئصاله فورا دون تشويه المفهوم..!  مالذي نعاني منه الآن حتى نصاب بهذا النوع الخطير من الاكتئاب الذي عادة ما يصيب الشعوب المحبطة …!  
جيوش جرارة محتلة رغم وجودها؟؟؟ 
أم سياسات ظالمة؟؟؟
 أو سيول جارفة من الأفكار والمفاهيم التي تخلو من الاصالة…؟؟؟ 
 إنها الاخيرة، فنحن مخلوقات تبنيها الكلمة وتحركها الفكرة، فلا بدّ من التعامل بثقة الناقد الواعي مع المفاهيم، والتأني في اعتناق القلب واللسان لها، والتدرب على رؤيتها بشكل صحيح … 
 إن الملكة الخلاقة والإبداع تملكها جميع الأمم بالتساوي، وليس عليها سوى تحفيز هذه الملكة بالحركة لتنتقل الى الواقع الملموس…
والتحفيز يحتاج الى إرادة تأمر كل الطاقات الانسانية بالتحرك ايجابًا نحو البناءالجديد.  
لقد أعجبني الشيخ محمد عبده أحد مفكري اليقظة العربية في القرن التاسع عشر عندما أخرج مفهوم (الإستبداد) من حيز السياسة ليشمل جميع جوانب الحياة بما فيها الاجتماعية والثقافية… 
والعزاء الوحيد في كل هذه الجلبة هو أن أجمل المفاهيم التي نقرأها في دستور لدولة قانون او في كتاب تنوير كالمساواة والحرية والعدالة والحق  كتبت في ظروف سيئة…!!!

عندما يكون الأمل ميلادًا

  أن يكون الإنسان قادرًا على التَّحكُّم بردود أفعاله، فيرسم مساره الخاص، مُتَّخِذًا منحى التّفكير الإيجابي، ومتجاوزًا كل ما يرهق النفس ولا ي...